التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين 19 الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون 20 يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم 21 خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم 22}

صفحة 3059 - الجزء 4

  وعن النعمان بن بشير: كنت عند المنبر، فقال رجل: ما أبالي ألَّا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج، فقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللَّه وهو يوم الجمعة، ثم استفتى رسول اللَّه فيما اختلفوا فيه، فنزلت: «أجعلتم سقاية الحاج ...» الآية.

  وعن ابن عباس: [قال العباس]: لئن كنتم سبقتم بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، فنزلت الآية.

  وقيل: نزلت في علي والعباس، وطلحة وشيبة، تفاخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت، وقال العباس: أنا صاحب السقاية، وقال علي: لقد صليت القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل اللَّه - تعالى - فيه هذه الآية عن الحسن، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي.

  وقيل: نزلت هذه الآية، قال العباس: إذا نرفضها يا رسول اللَّه، فقال: «أقيموها فإن لكم منها خيرا» يعني ثوابًا، ذكره الأصم.

  فأما من قال: إنها نزلت خطابًا في الكفار، فاختلفوا، فقيل: قال علي للعباس: ألا تهاجروا، قال: هناك ما هو أفضل من الهجرة، أسقي الحاج، وأعمر المسجد الحرام، فنزلت هذه الآية عن ابن سيرين، ومرة الهمداني.

  وقيل: لما أمروا بالهجرة قال العباس: أنا أسقي الحاج، وقال طلحة: أنا صاحب الكعبة، فنزلت الآية.

  وقيل: إن المشركين سألوا علماء اليهود فقالوا: نحن ولاة البيت، وسقاة الحاج،