قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون 29}
  والجواب: أن هذا السائل لا يخلو إما أن يسلم أن للعالم صانعًا حكيمًا وأنه يبعث الرسل ويتعبد، وأنه حكيم فيما تعبد به لا يتعبد إلا بالمصلحة أو لا يسلم ذلك، فإن لم يسلم وهذا فرع ذلك، فيجب أن نكلمه في ذلك الأصل، وإن سلم فجوابنا أن ذلك مصلحة، إما لهم، وإما لنا، وإما للفريقين، ولا يجب أن تعرف تفصيل المصلحة؛ لأن العلم بالجملة يغني عن التفصيل، كما أن مَن علم عذابه وحكمته لا يسأل عن تفصيل تدابيره.
  وبعد، فإن قتله إياس من التوبة وختم بالعقوبة، وإذا ترك بالجزية مع الدين كان أقرب للإقلاع من الكفر، وإذا أخذناه منه صغارا كنا أقرب إلى الشكر، فهو لطف لهم ولنا، فهذا وجه من المصلحة في الدين.
  فأما في الدنيا ففيه مصلحة عظيمة؛ لأن الجزية إذا اجتمعت كان فيها نفع عائد على المسلمين، ووجوه المصالح.
  وبعد فإنهم متى أمنوا بالجزية كان ذلك باعثًا لهم على الدين لأجل المخالطة والمذاكرة ومما ترد عليهم من الحجج وحل الشبه وما يرون من عز الإسلام وأهله، وذل الكفر وأهله، فيكون أصلح من أن يكون في دار الكفر ويقتل.
  فأما تعظيم الكفر فليس لأحكام الدنيا إنما يعظم لأمر يرجع إلى العقوبة، وإنما يعيد اللَّه - تعالى - نعمه على عباده، فمن أحسن فإلى نفسه، ومن أساء فَعَلَيْهِ، ولا تنفعه طاعتهم، ولا تضره معصيتهم، فإذا علم اللَّه - تعالى - أن الأصلح يبقيهم بالجزية تعبدًا به.
  وبعد فإن قتلهم لا يجب عقلاً، ويجوز تبقيتهم بغير بدل فينزل أولاً، ولا