قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون 29}
  أولها: دلالات الآية.
  وثانيها: أحكام عقلية.
  وثالثها: أحكام شرعية.
  فأما دلالات الآية فعلى وجوه: منها تدل على وجوب قتال الكفار.
  وتدل على أن قتالهم يجب إلى غاية وهو أن يعطوا الجزية.
  وتدل قوله: «وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ» أي دين اليهود والنصارى ليس بحق، إما لأنه منسوخ أو لأنه محرف.
  وتدل على أن دين الإسلام هو الحق.
  وتدل على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب واستبقائهم بها.
  وتدل على أن ما ضرب عليهم من الجزية فيه صغار وذلة لهم.
  وتدل على أن بالإقرار ببعض الدِّين لا يصير به مؤمنًا، لذلك جعل أهل الكتاب من الَّذِينَ لا يؤمنون.
  وأما الأحكام العقلية:
  فأولها أن يقال: كيف يجوز ترك قتالهم مع وجوبه وقد ورد الوعيد في تركه ولأنه المستحق على كفرهم بما يدينون من الجزية؟ وكيف أُقِرُّوا على الكفر وشرب الخمر وأكل الخنزير بمال يبذلونه؟ وبعد فقد قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ٩٠ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ٩١}، ثم خص في إقرارهم على غير ذلك باليسير من المال؟ قالوا: وإذا لمْ يجز. إقرار المسلم على المعصية ببذل يبذله فكيف يجوز في الكفر وهو أعظم من كل ذنب؟! وبعد فإن أخذ الجزية منهم كالرخصة في بقائهم على الكفر وهذا لا يجوز؟!