قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون 87}
  والاستكبار: التكبر، وهو الأنفة عن قبول الحق.
  · الإعراب: الروح: يذكر ويؤنث، والألف واللام في قوله: (الكتاب) للعهد لا للجنس، وأراد به التوراة.
  ويقال: أين جواب قوله: «وَلَقَدْ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ»؟
  قلنا: ما دل عليه «أَفَكلما جَاءَكُمْ» كأنه قيل: فما استقمتم، كما تقول: لقد أنعمت عليك، فما شكرت.
  · المعنى: ثم ذكر تعالى ما أنعم عليهم من بعثة الأنبياء، وما سلكوا من طريقة التكذيب، فقال تعالى: «وَلَقَدْ آتَينَا» لقد تأكيد في الكلام، وآتينا أعطينا «مُوسَى الْكِتَابَ» يعني التوراة «وَقَفَّينَا» أتبعنا من بعد موسى «بِالرُّسُلِ» أي أرسلنا رسلاً بعد رسل «وَآتَينَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ» قيل: أعطيناه المعجزات من إحياء الموتى، وغيرها، عن ابن عباس، وقيل: العجائب التي أراه، عن الحسن، وقيل: الإنجيل وما آتاه من أحكام هو وحيه، عن أبي علي. «وَأَيَّدْنَاهُ» قويناه «بِرُوحِ الْقُدُسِ» اختلفوا في الروح، فقيل: هو جبريل، لقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُوحُ الْأِمينُ} عن الحسن وقتادة والربيع والضحاك والسدي، وإنما سمي جبريل: روحًا لوجهين: أحدهما: أنه يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح. والثاني: أن الغالب عليه هو الروحانية، وكذلك سائر الملائكة غير أنه خصه به تشريفًا، وقيل: هو الإنجيل، سمي روحًا، كما سمي القرآن روحًا في قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} وسمي به؛ لأن الدين يحيا به، عن أبي زيد، وقيل: هو الاسم الذي كان يحيي به عيسى الموتى، عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وقيل: هو الروح الذي نفخ فيه، فأضافه إلى نفسه تشريفًا، كما يقال: نبت اللَّه، وناقة اللَّه، عن الربيع، وعلى هذا: المراد به الروح الذي يحيا به الإنسان،