التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون 87}

صفحة 480 - الجزء 1

  وذلك يصحح أن الروح هو النفس؛ لأنه يصح فيه النفخ، ومن الناس من قال: لا يتكلم في الروح؛ لأن اللَّه أبهمه، وقد أخطأ؛ لأنه تعالى إذا علم أن الصلاح أن يكلهم فيه إلى عقولهم وكلهم، كما فعل ذلك في الأمانة وبيان وقت الساعة، وكثير من مسائل الشرائع.

  ويقال: على المعنى الأول: لِم خص عيسى بأنه مؤيد بجبريل، وكل نبي مؤيد به؟

  قلنا: لثبوت اختصاصه به من صغره إلى كبره، فكان يسير معه حيث سار، وكان معه حين صعد إلى السماء، وكان تمثل لمريم عند حملها به، وبشر به، ونفخ فيها.

  واختلفوا في القدس، قيل: الطهر، كأنه دل على التطهير من الذنوب. وقيل: القدس هو اللَّه، عن الحسن والربيع وابن زيد، قال ابن زيد: القدس والقدوس واحد. وقيل: القدوس، عن السدي. وقيل: سمي جبريل الروح الطاهر؛ لأنه لم يتضمنه أصلاب الفحول ولا أرحام الأمهات، بل كان أمرًا من اللَّه تعالى.

  «أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ» خطاب لليهود، أي يا معشر اليهود كلما جاءكم رسول «بِمَا لاَ تَهْوَى» أي لا تحب ولا توافق «أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ» أي تعظمتم وتكبرتم من قبوله «فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ» يعني طائفة وجماعة كذبت الرسل كعيسى ومحمد، وطائفة يقتلون الرسل كيحيى وزكرياء وغيرهما $.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الرسول والكتاب لا يرد بما تهوى الأنفس، وإنما يرد بما يكون مصلحة.

  وتدل على تقريع من اتبع الهوى وترك الدين، وفيها زجر عن سلوك طريقة اليهود، حيث فعلوا ذلك.

  وتدل على أن اليهود لم يفعلوا ما فعلوا من التكذيب محاماة على الدين، ولا تمسكًا بالكتاب، ولكن اتباعًا للهوى، وإيثارًا للدنيا، وفيه زجر لعلماء السوء الَّذِينَ يسلكون طريقتهم في ذلك.