التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم 40}

صفحة 3124 - الجزء 4

  قال |: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ} نزل بعد الهجرة.

  قال: ولو علم سلامة نفسه وعصمته لم يأمن ضررًا من جراحة وأذى.

  القصة

  المروي أن من بمكة من المشركين دخلوا دار الندوة، وهي دار قصي، وتعاقدوا على قتل النبي ÷ بعد مشاورة جرت بينهم، فأوحى اللَّه - تعالى - إليه: {وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية. وأمر بالخروج، فخرج ومعه أبو بكر إلى الغار، وأَطلعَ عليهما أسماء، واضطجع علي على فراشه؛ ليمنعهم ما يشاهدون من طلبه حتى انتهيا إلى الغار والقوم في طلبه.

  قال مجاهد: ومكث في الغار ثلاثًا، وروي بضع عشرة أو عشرين ليلة، وكان طعامه تمر الأراك، وسبق أبو بكر إلى الغار، فانبطح فيه وألقى بنفسه لاستبراء ما فيه من جحر وهوام، جاعلاً نفسه فداء رسول اللَّه.

  وقيل: لما طلبه المشركون عند الصباح بكى أبو بكر، فقال: «مَا يُبْكِيْكَ»؟

  فقال: أخاف عليك، فقال: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» فسكن أبو بكر، وألهم اللَّه العنكبوت فنسجت على باب الغار، وبعث حمامتين فباضتا في أسفل النقب، فلما جاء الطلب رأى نسج العنكبوت وبيض الحمامة انصرف.

  وروي أن النبي ÷ قال: «اللَّهمَّ أَعْمِ أَبصارَهُم»، فعميت أبصارهم عن دخولها، فقال عروة: كان عامر بن فهيرة يروح بغنم لأبي بكر إلى الغار، وقال قتادة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر يختلف إليهما.

  وروي أن أسماء كانت تأتيهما بلبن يشربانه، ذكره الأصم.

  ويروى أنه قال: «اللَّهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة» فأوحى اللَّه - تعالى - إليه: «إن اللَّه قد استجاب لك».