التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم 40}

صفحة 3123 - الجزء 4

  وتدل على فضل أبي بكر وعظم محله من وجوه:

  منها: أنه - تعالى - نصره ولا ينصر إلا مخلصًا في دينه، فاضلاً في نفسه.

  وثانيها: أنه جعله ثاني اثنين بالتعاون والتناصر والمؤانسة، وكذلك أخرجه النبي مع نفسه آمنًا به، ساكنًا إليه، آنسًا به.

  وثالثها: لم يترك نصرته في حال الضر والخوف.

  ورابحها: سماه صاحبه، وهو الملازم له الموافق المخلص.

  وخامسها: قوله: «إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» أي: بالنصر والمعونة، فلولا عظم محله، وإلا ما قال له ذلك.

  وسادسها: نزول السكينة عليه، فإنما تنزل على المؤمنين.

  وسابعها: حزنه وإشفاقه على رسول اللَّه ÷ حين قال له: «لا تحزن»، والمروي أن أبا بكر كان يمشي مرة أمامه وأخرى خلفه، وقال: إذا ذكرت الرصد مشيت بين يديك، وإذا ذكرت الطلب مشيت خلفك.

  وقد قال شيخنا أبو علي حاكيًا عن بعض جهال الإمامية: إن قوله: «لا تحزن» يدل على معصية ونقص، فأجاب بأن ذلك يوجب مثله في قوله لموسى: {قُلْنَا لَا تَخَف} فإذا لم يكن هناك نقص فكذلك ههنا.

  قال: وليس حزنه لشك وحيرة، بل لتجويز وصول ضرر إلى الرسول.

  قال: ويجوز أن لم يكن الخبر أتى بأن الرسول معصوم حتى قال الرسول: «لا تحزن» فسكن إلى ذلك.