التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين 49 إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون 50 قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون 51 قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون 52}

صفحة 3143 - الجزء 4

  وقيل: قال: قد علم قومي أني رجل مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بنات الأصفر لا أصبر عنهن، فلا تفتني بهن، فائذن لي في القعود وأعينك بمالي. فأعرض عنه رسول اللَّه ÷، [وقال]: «أذنت لك فيه»، ففيه نزلت الآية.

  ولما نزلت الآية قال النبي ÷ لبني سلمة وكان الجد منهم: «مَنْ سيدكم»؟

  قالوا: الجد بن قيس غير أنه بخيل جبان، فقال: «وأي داءٍ أدوى من البخل، بل سيدكم الفتى الأبيض البراء بن معرور».

  · المعنى: ثم بيَّن تعالى سرًا آخر من أسرار المنافقين، فقال سبحانه: «وَمِنْهُمْ» أي: من المنافقين «مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي» في القعود عن الجهاد «وَلَا تَفْتِنِّي» قيل: لا توقعني بالعصيان إذا أمرتَ بالخروج ولم [نخرج]، عن الحسن وقتادة، وأبي عبيدة، والأصم، وأبي علي، والزجاج. وقيل: لا تفتني ببنات الأصفر، قال الجد بن قيس عن ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد. وقيل: لا تصرفني عن شغلي، وقيل: لا تعذبني بتكليف الخروج في الحر، وهو مثل قوله: {لَا تَنْفِرُوا فِي الحَرِّ} عن أبي مسلم. «أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا» أي: ما وقعوا فيه من الفتنة بالتخلف عن رسول اللَّه ÷ أعظم، وقيل: في المعصية وقعوا، عن أبي علي. وقيل: في العذاب المُعَدِّ لهم، عن أبي مسلم. وقيل: اعتلالهم بالباطل هي الفتنة، وقيل: ما هم فيه من الشك والنفاق أعظم، عن الأصم. «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ» أي ستحيط بهم فلا مهرب ولا مخلص منها، وأطلق كونها محيطة؛ لأن ما تحقق كونه فهو بمنزلة الواقع في الحال «إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ» قيل: نعمة، وقيل: ظفر وغنيمة عن أكثر المفسرين، منهم أبو علي. «تَسُؤْهُمْ» أي يحزنهم ذلك حسدًا وبغضًا لكم، وقيل: لأنهم أولياء الَّذِينَ