قوله تعالى: {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون 64 ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون 65 لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين 66}
  وعن ابن عمر: رأيت عبد اللَّه بن أبيّ يسند بين يدي رسول اللَّه ÷ وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول اللَّه يقول: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}.
  · المعنى: ثم أخبر - تعالى - عن حال المنافقين فقال سبحانه: «يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ» فيه قولان:
  الأول: أنه إخبار عنهم أنهم يحذرون ويخافون أن يفشوا أسرارهم، عن الحسن، ومجاهد، وأبي علي، وأبي مسلم، وجماعة، ثم اختلفوا، فقيل: كان ذلك الحذر شيئًا أظهروه على سبيل الاستهزاء لا على وجه التصديق؛ لأنهم حين رأوا رسول اللَّه ÷ ينطق في كل شيء عن الوحي وكانوا منافقين وكان بعضهم يقول لبعض: احذروا ألا ينزل وحي فيكم فتتناجوا بذلك وتفضحون عن أبي مسلم. وقيل: كانوا يخافون أن يكون صادقا فينزل عليه وحي فيفتضحون عن أبي علي. وقيل: علموا صدقه فخافوا نزول الوحي بما في قلوبهم فيفضحون، قال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون: عسى اللَّه ألا يفشي علينا سرنا.
  والثاني: أن لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر أي: ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تخبرهم بما في قلوبهم من النفاق، عن الزجاج، وذلك لأن متعمد الكلام على التهدد. وظاهر الكلام ما ذهب إليه أبو علي فلا يعدل عنه إلا بدليل.
  «أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ» أي: ينزل اللَّه - تعالى - سورة في شأنهم «تُنَبِّئُهُمْ» تخبرهم، وأضاف الإنباء إلى السورة توسعًا؛ لأنه يعرف منها وإلا فالمخبر في الحقيقة هو اللَّه تعالى، كقوله: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} والكتاب لا يتكلم ولكن لما كان بمنزلة المتكلم في الإبانة أطلق ذلك فيه توسعًا «قُلِ اسْتَهْزِئُوا» هذا تهديد وليس بأمر ولا إباحة «إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ» مظهرٌ «مَا تَحْذَرُونَ» فيه، قيل: هو النفاق،