التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين 86 رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون 87 لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون 88 أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم 89}

صفحة 3224 - الجزء 5

  المتخلفون الَّذِينَ تخلفوا وقعدوا في رحالهم، عن أبي مسلم. وقيل: النساء والصبيان.

  ثم عيرهم على ذلك، فقال سبحانه: «رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ» قيل: النساء، وقيل: هم المتخلفون «وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ» قيل: الطبع نكتة سوداء في قلوبهم جعلت علامة لقلب الكافر يعلم أنه لا يفلح أبدًا، عن أبي علي، وروي مثله عن أمير المؤمنين #، وقيل: إنه ذم لهم فإنه كالمطبوع، فلا يدخلها خير، ولا ينتفي شر. وقيل: هو استفهام؛ أي: أطبعَ اللَّه على قلوبهم ولأجله لا يفقهون فحذف ألف الاستفهام، وقيل: لما آثروا الكفر أخلاهم واختيارهم حتى ألفوها ولم ينجع فيهم دعاء ولا شيء، فصار كالطبع على القلوب للمنع من خروج ما فيه، عن أبي مسلم. «فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ» أي: لا يعلمون، معناه: لا يتدبرون الأدلة ليعلموا، وقيل: لا يفقهون ما يقال لهم.

  ثم عقب ذمهم بمدح الرسول والمؤمنين، واتصل به اتصال النقيض بالنقيض، فقال سبحانه: «لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ» يعني بذلوا الجهد بالمال والنفس في سبيل اللَّه أي: طريقته، وهو دينه المأمور به «وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيرَاتُ» قيل: الخيرات المنافع في الدنيا والمدح والتعظيم والفلاح، وفي الآخرة الثواب والجنة «وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ» أي: الظافرون بالأمنية، وقيل: الخيرات: الغنائم والذراري، والفلاح: رضوان اللَّه ورحمته، وقيل: الخيرات: الجواري الفاضلات، وهن الحور العين، عن المبرد.

  ثم فسر الخيرات، فقال سبحانه: «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ» أي: خلق وهيأ لهَؤُلَاءِ المؤمنين «جَنَّاتٍ» بساتين «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ» أي: من تحت أبنيتها وأشجارها المياه في الأنهار «خَالِدِينَ فِيهَا» أي: دائمين «ذَلِكَ» يعني ما تقدم ذكره هو «الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» النجاة من الهلكة، والظفر بالبغية.