التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين 91}

صفحة 491 - الجزء 1

  ويقال: كيف قال: «وَرَاءَهُ» وما كفروا به قدامه؟

  قلنا: لمقارنة معنى (وراء) معنى (بعد)، كأنه قيل: ويكفرون بما بعده.

  ويقال: بِمَ انتصب «مُصدِّقًا»؟ وما العامل فيه؟

  قلنا: انتصب بمعنى الحال، والعامل فيه معنى الخبر، كقولك: هو زيد حقًّا.

  · المعنى: ثم حكى جوابهم عند دعائهم إلى الإيمان فقال تعالى: «وَإذَا قِيلَ لَهُمُ» يعني اليهود الَّذِينَ تقدم ذكرهم «آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّه» يعني القرآن المنزل على محمد ÷ والشرائع التي جاء بها، «قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَينَا» يعني التوراة «وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ» أي يجحدون ما بعده، عن الحسن وقتادة وأبي العالية والربيع، «وَهُوَ الْحَقُّ» يعني ما وراءه وهو القرآن، عن الحسن والسدي: حق وصدق، «مُصَدّقًا لِمَا مَعَهُمْ» قيل: جاء على مصداق ما في التوراة، وقيل: يصدق التوراة «قُلْ» يا محمد لهم «فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ» وإنما أراد قتل أسلافهم الأنبياء؛ إلا أنه خاطبهم بذلك، لأنهم كانوا على طريقتهم.

  ويقال: لِم جاز: لِمَ تقتلون من قبل؟ ولم يجز أنا أضربك أمس؟

  قلنا: فيه قولان:

  أحدهما: أن ذلك جائز فيما كان بمنزلة الصفة اللازمة، كقولك لمن تعنفه تعاتبه بما سلف من قبيح فعله ويحك لِمَ تكذب؟ ولمَ تبغض نفسك إلى الناس؟ كأنه قال: لم هذا من شأنك؟ قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتلُوا الشَّياطِينُ} ولم يقل:

  ما تلت؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة، وقال الشاعر:

  وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني ... فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لاَ يَعْنِينيِ

  ولم يقل: مررت؛ لأن معناه من شأني المرور.