قوله تعالى: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم 91 ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون 92}
  باكين «وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا» أي: من الحزن عن التخلف في فوات صحبة رسول اللَّه «أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ» ليخرجوا معه، فكانت عندهم لحمل المشاق معه راحة لما يؤدي إليه من العاقبة، وأولئك المنافقين قعدوا لحر الشمس، وفرحوا بالقعود، ولم يعلموا ما لهم من النار التي هي أشد حَرًّا.
  · الأحكام: تدل الآية على أن الجهاد يسقط لهذه الأعذار المذكورة من ضعف البدن مع الصحة، ومن المرض وعدم النفقة وعدم المركوب، وإذا كان الفرض يسقط لهذه المعاني لكونه عذرًا فلأن يسقط لعدم القدرة التي تأثيرها في الفعل آكد وأقوى، وكذلك إذا كان ترك الخروج مخلوقًا كان أشد في العدو، وإذا كان ممنوعًا من الخروج، ويراد منه القعود فالعذر أظهر، وهذا يوجب أن يكون كل عاصٍ معذورًا، وهذا يوجب بطلان مذهب الْمُجْبِرَة في المخلوق والاستطاعة والإرادة، وأجمعوا أنه غير معذور، فيدل على بطلان قولهم.
  وتدل على أن الإحسان فِعْلُهم؛ فيبطل أيضًا قولهم في المخلوق.
  وتدل على أنهم بكوا لعدم النفقة والمركوب، فكان ينبغي أن يكون بكاؤهم لعدم القدرة والمنع من الخروج أكبر.
  وتدل على أن النصح في الدين واجب، وهذا يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدخل فيه الشهادات، والأحكام، والفتاوى، والدعاوى، والدعاء إلى الدين وبيان الأدلة، فإن كل ذلك نصيحة.
  وتدل على أن المحسن لا سبيل عليه، فتدل على أن المستعير لا ضمان عليه؛ لأنه محسن ليس بمسيء.
  وتدل على بطلان الجبر من جهات:
  أولها: ما بَيَّنَّا أن فقد النفقة والمركوب إذا كان عذرًا فعدم القدرة والمنع من الخروج، وخلق التخليف فيه أولى.