التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون 107 لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين 108 أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين 109 لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم 110}

صفحة 3265 - الجزء 5

  وابناه: مجمع وزيد، ونفيل بن الحارث، ومخرج الضبعي، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت، وكان يصلي بهم مجمع، عن الزهري، ويزيد بن رومان وغيرهما، فلما فرغوا من بناء المسجد أتوا رسول اللَّه ÷ وسألوه أن يصلي فيه، وقالوا: بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، فصلِّ فيه وادع بالبركة، فقال: «إني على جناح السفر - وكان يخرج إلى تبوك - فإذا قدمنا أتيناكم وصلينا لكم فيه» فلما انصرف من تبوك أتوه، وسألوه إتيان مسجدهم، فَهَمَّ به، فنزلت الآيات، وأخبره اللَّه تعالى خبر المسجد، وما هموا به، فدعا رسول اللَّه ÷ جماعة منهم: مالك بن جشعم، ومعن بن عدي، وعامر بن السكن وقال: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه» فخرجوا سريعًا وهدموه، وأحرقوه، وتفرق أهله، وأمر رسول اللَّه ÷ أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف، وسئل عمر أن يأذن لمجمع أن يصلي في مسجد قباء، فقال: «لا، أليس هو إمام مسجد الضرار» فقال مجمع: يا أمير المؤمنين صليت بهم، وأنا لا أعلم ما يضمرون، ولو علمت ما صليت، وكنت غلامًا قارئًا وهم شيوخ لا يقرؤون، فقبل منه عمر، وأمره بالصلاة في مسجد قباء، ولما فتح عمر الأمصار أمر ببناء المسجد، وأمرهم ألا يتخذوا في مدينة مسجدين يضار أحدهما صاحبه.

  · المعنى: ثم ذكر تعالى صنفًا آخر من المنافقين بنوا المسجد ليفرقوا عن رسول اللَّه، ويحضرهم من يوافقهم، ويطلبوا الغوائل للمسلمين، فأطلع اللَّه تعالى رسوله على أسرارهم، فقال سبحانه: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا» يعني بنوا مسجدًا، والمسجد: موضع السجود في الأصل، وفي العرف صار اسمًا لبقعة مخصوصة تبنى للصلاة والجماعة، والاسم عرفي في معنى اللغة «ضِرَارًا» يعني يريدون باتخاذها ضرار رسول اللَّه ÷ والمؤمنين، وذلك لينقطع الناس عنه وعن المصير إليه، وليكون موضعًا لمجمع المنافقين ليدبروا على رسول اللَّه ÷ والمؤمنين التدابير، عن أبي علي. وقيل: ضرارًا لمسجد قباء؛ لينقطع عنه الناس، وقيل: ضرارًا لمسجد رسول اللَّه ÷ «وَكُفْرًا» أي: كان اتخاذهم ذلك كفرًا بِاللَّهِ ونفاقًا ليكفروا فيه بالطعن على رسول