التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين 93}

صفحة 495 - الجزء 1

  والميثاق: العهد المؤكد.

  وأشرب الزرع سقي، والشرب مادة الزرع، وأشرب لون كذا: إذا لزمه، ويقولون: أشرب قلبه حب كذا، قال زهير:

  فَصَحَوْتُ عَنْهَا بَعْدَ حبٍّ دَاخِلٍ ... وَالْحُبُّ تُشْرِبهِ فُؤَاَدكَ دَاءُ

  · المعنى: ثم ذكر تعالى خصلة أخرى من أسلافهم توبيخًا لهم، فقال تعالى: «وَإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ» يعني أعطيتم العهد، وقبلتم الأمر، فأخذنا ذلك عليكم، «وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ»، يعني الجبل، وقد بينا قبل هذا رفع الجبل فوقهم، وأخذ الميثاق، والتكرار في هذا وأمثاله للتأكيد، وإيجاب الحجة على الخصم على عادة مخاطبات العرب.

  وقيل: الآية حجة عليهم عند ادعائهم أولاً، فلما عادوا إلى الدعوى في مثل قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} وما أشبه ذلك، أعيد الحجاج عليهم، عن أبي علي، كأنه يشير إلى اختلاف الأحوال والأوقات، ولا يعد تكرارًا، وقيل: لما عد فضائح اليهود أعاد ذكر رفع الجبل، وقولهم: {سَمِعنا وَعَصَينَا}، وقيل: ذكر الأول للاعتبار بأخبار من مضى، والثاني الاحتجاج عليهم «خُذُوا ما آتَينَاكم» أي أعطيناكم، قيل: التوراة، وقيل: الشرائع «بِقُوَّةٍ» قيل: بجد واجتهاد، وقيل: بقدرة، أي وأنتم قادرون على أخذه «وَاسْمَعُوا» قيل: اقبلوا ما سمعتم، كقوله: سمع اللَّه لمن حمده، أي قبل. قال الراجز:

  السَّمْعُ والطَّاعَةُ والتسَّلِيمْ ... خَيْرٌ وَأَعْفَى لِبَنِي تَمِيْم

  يعني قبول ما تسمع والطاعة لما تؤمر، وقيل: اسمعوا ما يتلى عليكم، أي اسمعوا لتسمعوا، وهذا اللفظ يحتمل الاستماع والقبول، ولا تنافي بينهما فيحمل عليهما فيصير كأنه قيل: استمعوا لتسمعوا، ثم أقبلوا وأطيعوا يدل عليه أنه قال في الجواب: «سَمِعْنَا وَعَصَينَا» فيه قولان: