قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين 93}
  الأول: أنه كان منهم قول في الحقيقة قالوه استهزاء: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، وذلك كفر.
  الثاني: حالهم كحال من قال ذلك حيث سمعوا وقابلوا بالعصيان.
  ومتى قيل: «قَالُوا» كناية عَمَّنْ؟
  قلنا: قيل: هم اليهود الَّذِينَ كانوا في عصر النبي ÷ قالوا ذلك له، ثم رجع إلى حديث أوائلهم، فقال «وَأُشْرِبُوا»، عن الحسن، وقيل: هم الَّذِينَ كانوا في زمن موسى # ردوا عليه، وقالوا: سمعنا وعصينا، عن أبي علي، وهو الوجه؛ لأنه تبيين الكلام. «وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ» قيل: حب العجل، عن قتادة وأكثر أهل العلم، وقال السدي: لما رجع موسى إلى قومه أخذ العجل وحرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم، فلم يبق بحر يومئذ إلا وقع فيه شيء منه، ثم قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب، فلذلك قوله: «وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ» وروي نحوه عن ابن جريج، والأول الوجه لذكره القلوب، ولأنه لا يقال: أُشرِبَ من سقْىِ الشَّفَةِ، ولأنه أظهر، وعليه أكثر العلماء، فأما معنى «وَأُشْرِبُوا» قيل: أدخل قلوبهم حبه، كإشراب اللون لشدة الملازمة، وقيل: لما داموا على عبادة العجل قيل: أشربوا لأن الشرب مادة الزرع، فلما أمروا بعبادة العجل قيل: أشربوا.
  ويقال: من أَشْرَبَ ذلك قلوبهم؟
  قلنا: لم يرد أن غيرهم فعل ذلك بهم، ولكن لفرط ولوعهم به، وإِلْفِهِمْ لعبادته، أشربوا في قلوبهم حبه، فألزموا ذكره ومحبته، فَذُكِرَ على ما لم يسم فاعله، كما يقال: فلان مُعْجَبٌ بنفسه، وقيل: أَشْرَكَهُ مَنْ زينهُ عندهم ودعا إليه، كالسامري وإبليس وشياطين الإنس والجن، ولا يجوز أن يقال: إن اللَّه تعالى فعل ذلك؛ لأنه ذمهم بذلك ووبخهم، ولو كان ذلك فِعْلَهُ لما صح ذلك، ولأن تزيين عبادة الصنم قبيح، وقد نهى عنه، وأوعد عليه، ولا يجوز أن يفعله؛ ولأنه لو جاز أن يفعل ذلك بنفسه جاز أن يبعث رسولاً يدعو إليه، وهذا فاسد، «بِكُفْرِهِمْ» يعني لاعتقادهم التشبيه وجهلهم بِاللَّهِ، وتجويزهم العبادة لغير اللَّه أشربوا في قلوبهم حب العجل؛ لأنهم