قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم 111 التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين 112}
  الشمس»، وقيل: إنما ذكر شراء النفس والمال؛ لأن العبادات على ضربين: بَدَنِيَّة، ومالية، لا ثالث لهما، والمؤمن يؤدي الحقوق البدنية، والحقوق المالية «يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا» أي: على اللَّه حقًا أي: وعدًا صادقًا واجبًا لا خلف فيه، وقيل: وعدًا جعله اللَّه حقًا بأن أعطاه ذلك «فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ» يعني أن هذا الوعد منه في الكتب المنزلة «وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ» أي: لا أحَد أوفى بعهده «مِنَ اللَّهِ» فإنه يوفي ما وعد، ويصدق ما أوعد، فلا يجوز عليه الخلف.
  ثم هنّأهم، فقال سبحانه: «فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ» أي: أبشروا أيها المؤمنون ببيعكم هذا أنفسكم وأموالكم، قال الحسن: إن اللَّه تعالى بايعهم، فأغلاهم، ومن باع سلعة فانية تافهة بأغلى الثمن، فإنه يستبشر به فهَؤُلَاءِ باعوا الفاني بالباقي «وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» الظفر العظيم بالبغية.
  ثم وصف المؤمنين، فقال سبحانه: «التَّائِبُونَ» قيل: الراجعون إلى اللَّه النادمون من معاصيه «الْعَابِدُونَ» المتذللون له بطاعته في أوامره ونواهيه، قال الحسن وقتادة: هم قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم، فعبدوا اللَّه في السراء والضراء، «الْحَامِدُونَ» الَّذِينَ يحمدون اللَّه على كل حال، وقيل: يعترفون بنعمه ويشكرونه ويصير ذلك عادة لهم «السَّائِحُونَ» قيل: الصائمون، عن عبد اللَّه بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وسفيان بن عيينة، وروي مرفوعا عن النبي ÷ أنه قال: «سياحة أمتي الصوم»، قال الحسن: الَّذِينَ صاموا عن الحلال، وأمسكوا عن الحرام، قيل: هم الغزاة والمجاهدون؛ لأنهم يسيحون في الأرض، عن عطاء. وقيل: هم طلبة العلم، عن عكرمة. وقيل: السائر في الأرض لوجه من وجوه البر «الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ» يعني: المصلين «الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ» قيل: المعروف طاعة اللَّه والأفعال الحسنة التي اعترف العقل والشرع بحسنها، والمنكر القبائح التي ينكرها العقل والشرع، وقيل: المعروف: السنة، والمنكر البدعة «وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» قيل: القائمون بطاعة الله، عن ابن عباس. يعني: يؤدون فرائضه وأوامره ويجتنبون نواهيه؛ لأن حدوده أوامره ونواهيه «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»