التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم 111 التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين 112}

صفحة 3271 - الجزء 5

  اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه، اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: «أشترط لربي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم» قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: «الجنة» قالوا: ربح البيع، لا نُقِيُل، ولا نستقيل، فنزلت الآية: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى».

  · النظم: قيل: «التائبون» يتصل بقوله: «لكن الرسول» إلى قوله: «وأولئك هم المفلحون» ثم ذكر صفتهم، فقال: «التائبون ...» إلى آخر الآية، عن أبي مسلم.

  وقيل: بل يتصل بما قبله وهو قوله: «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» كأنه قيل: بشر المؤمنين، فقيل: من هم؟ قيل: التائبون.

  ويقال: بل يتصل بقوله: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى».

  قلنا: لما تقدم ذكر المؤمنين والمنافقين ووصفهم بَيَّنَ هاهنا حال المؤمنين، وضرب لهم المثل فيما يفعلونه.

  · المعنى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى» ابتاع «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ»، فيجاهدون في سبيل اللَّه بأموالهم ينفقونها في سبيله «بأنَّ لَهُمُ الجنَّةَ»، أي: بالجنة، فجعل الجنة نار الجهاد، وذلك على وجهين: جهاد بالسيف، وجهاد باللسان، وربما كان جهاد اللسان أعظم؛ لأن سبيل دينه هو التوحيد والعدل والدعاء إليه أولى باللسان، والجهاد بالسيف تبع، ولأن إقامة الدليل على صحة المدلول أولى من القتال بالسيف والاستدعاء به أكثر، وبيان الحق أوضح؛ لأن المبطل قد يظهر بالسيف، ولأن في الاستدعاء إحياء وفي القتال إتلاف، وقد قال النبي ÷: «لأن يهدي اللَّه على يديك نسمة خير مما طلعت عليه