التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم 117}

صفحة 3283 - الجزء 5

  فصاروا في حكمه تائبين، عن أبي علي وجماعة. وقيل: لطف لهم حتى تابوا «عَلَى النَّبِيِّ» قيل: ذكر اسمه مقتادًا للكلام وتحسينًا له، ولأنه سبب توبتهم كقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} وإلا لم يكن منه ما يوجب التوبة، وقيل: تاب عليه بإذنه للمنافقين في التخلف عنه، عن جماعة من المفسرين. «وَالْمُهَاجِرِينَ» الَّذِينَ هجروا ديارهم وعشائرهم «وَالأَنصَارِ» الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدار والإيمان ونصروا الرسول «الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ» أي: أطاعوه عند دعائه إياهم إلى الجهاد «فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ» أي: وقت العسرة وصعوبة الأمر، قال جابر: عسرة الزاد، وعسرة الظهر، وعسرة الماء وقيل: كان ذلك في غزوة تبوك، عن مجاهد، وجابر، وقتادة، وأكثر المفسرين؛ لأنهم خرجوا مع حر شديد، وضيق شديد. وقيل: يحتمل تلك الغزوة وغيره، نحو يوم الأحزاب ويوم الحديبية، عن أبي مسلم. وإنما وصف بالعسرة لشدة الأمر، قيل: لحقهم فيها مشقة عظيمة من قلّة الماء والزاد والظهر، عن مجاهد، وقتادة. قال عمر بن الخطاب ¥: أصابنا عطش شديد، فدعا النبي ÷ فأمطر الماء بدعائه فعشنا به. وقيل: كانت العَشَرَةُ على بعير يعتقبونه، وكانوا يصومون فإذا بلغ بأحدهم الجوع مبلغًا أخذ تمرة يمصها، ثم يعطيها صاحبه، ثم يشرب الماء، فلا يزالون يمصها النفر حتى لا تبقى إلا النواة، عن الحسن. وقيل: كانوا يشربون عصارة الفرث إذا نحروا الجزور من شدة الحال، ولهذا سمي عثمان مجهز الجيش؛ لأنه وقومه أنفقوا مالاً في تلك الغزوة غير أن أحدًا لم يبلغ ما بلغ عثمان، فسمي: مجهز جيش العسرة.

  «مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ» هموا بالانصراف من غزاتهم، قبل أمر اللَّه تعالى، عن الأصم. وقيل: كادوا يميلون من حسن النية في الجهاد، ثم تابوا، عن أبي علي. وقيل: من شدة الأمر طمع الشيطان في قلوبهم، ولم تزغ ولم يذكره اللَّه عنهم، عن الأصم. وليس هذا بزيغ عن الإيمان. «ثمَّ تَابَ عَلَيهِمْ» يعني: الَّذِينَ كادت قلوبهم تزيغ.