قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم 118}
  معلومين للنبي ÷ والمؤمنين، وهَؤُلَاءِ هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وكلهم من الأنصار، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وجابر. فأما هلال ومرارة فمن البدريين، وأما كعب فلم يشهد بدرًا. وقيل: هم المرجون لأمر اللَّه، وقيل: هم غير الَّذِينَ خلفوا، وقيل: خلفوا عن غزاة تبوك، عن قتادة، والأصم. وخرج المسلمون، وتخلفوا، فصاروا مخلفين، وإن لم يخلفهم غيرهم كقولهم: فلان معجب بنفسه، وقيل: خلفهم المسلمون حين خرجوا، وقيل: خلفوا عن عرى التوبة، عن مجاهد. كأنهم أخروا في قبول توبتهم عن توبة غيرهم، فصاروا مؤخرين، وقيل: خلفوا عن إنزال قبول توبتهم، وقيل: خلفهم اشتغالهم بالدنيا عن صحبة النبي، ÷ «حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ» أي: اتسعت، يعني ضاقت عليهم الأرض بسعتها، وهذا مثل لمن ضاق قلبه، قيل: خوفًا من اللَّه وغمًّا بذنوبهم لعلمهم. بالوعد والوعيد، وأنه تعالى قادر عليهم، ولا ملجأ من اللَّه إلا إليه، وقيل: لإعراض النبي عنهم وهجران المسلمين إياهم، فروى كعب قال: لما طال الأمر، ولا يكلمني أحد دخلت على أبي قتادة في حائطه، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه فما رد، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك اللَّه، هل تعلم أني أحب اللَّه ورسوله؟ فسكت حتى أعدت ثلاثًا، فقال: اللَّه ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتوليت، «وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ» أي: ضاقت صدورهم غمًّا وحزنًا «وَظَنُّوا» أيقنوا «أَنْ لا مَلْجَأَ» مَنْجَى وموضع. يلتجأ إليه «مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيهِ» يعني ليس مَن يلتجأ إليه في قبول توبته غيره تعالى، وقيل: علموا أنهم مبعوثون، عن الأصم. ولا شبهة أن اللَّه تعالى قبل توبتهم لما علم صدقهم وإخلاصهم، ولكنه تأخر إنزال توبتهم لمصلحة، ولأن بيان قبول التوبة غير واجب، وإنما الواجب القبول.
  «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» فيه أقول:
  الأول: قيل: لطف لهم في التوبة ليأتوا بها كما يقال في الدعاء: تاب اللَّه عليه، وتب علينا.