التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم 118}

صفحة 3287 - الجزء 5

  فعلت أحد؟ قالوا: نعم، مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فمضيت، ونهى رسول اللَّه ÷ المسلمين عن كلامنا الثلاثة، فقعدنا في بيوتنا نبكي، وكنت من بينهم أشهد الصلاة، وأطوف، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول اللَّه ÷ فأكلمه، وأسلم عليه، وأنظر: هل رد عليّ أم لا، فلما مضت أربعون ليلة أتى آتٍ، وقال: إن رسول اللَّه يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها، فقال: «لا، ولكن اعتزلها» وكذلك أمر صَاحِبَّي، وربطنا أنفسنا بسواري المسجد حتى مضت خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا، وضاقت علينا الأرض، فكنت أصلي على ظهر بيتي صلاة الصبح، فسمعت نداء: أَبْشرْ يا كعب، فخررتُ ساجدًا، وخرجت حتى دخلت المسجد، والنبي ÷ جالس، والمسلمون حوله، فقام إليّ طلحة يهرول، وصافحني، وقال: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّه عليك، وما قام من المهاجرين أحد غيره، وكان كعب لا ينساها لطلحة، فلما سلمت قال ÷: «أَبْشِرْ يا كَعْبُ» فقلت: يا نبي اللَّه، أمن عند اللَّه، أو من عندك؟ فتلا: «لَقَدْ تَابَ اللَّهُ»، «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ ...» الآيات.

  وعن الحسن: بلغني أنه كان لأحدهم حائط خير من مائة ألف درهم، فقال: يا حائطاه، ما خلفني إلا ظلك، اذهب، فأنت في سبيل اللَّه، ثم لحق برسول اللَّه.

  والآخر كان له أهل فقال: يا أهلاه، ما أبطأني عن رسول اللَّه ÷ إلا ألصق بك، لا جرم لأكابدن المفاوز، وألحقن برسول اللَّه ÷.

  وأما الثالث: فلم يكن له أهل ولا مال، فقال: يا نفس، ما خلفني عن رسول اللَّه ÷ إلا حب الحياة، لا جرم، لأكابدن الشدائد، حتى ألحق برسول الله ÷.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى حال هَؤُلَاءِ الثلاثة الَّذِينَ تخلفوا لا لعذر، ولا نفاق، فقال سبحانه: «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ» أي: وتاب على الثلاثة، الألف واللام للعهد لا للجنس، وكانوا