التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون 122 ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين 123 وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون 124 وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون 125}

صفحة 3299 - الجزء 5

  وقوله: «وَاعْلَمُوا» بشارة بأنه ينصرهم في مستقبل أيامهم، ويظهرهم على أعدائهم، وقوله: «وَاعْلَمُوا» يحتمل أن يكون أمرًا بأن يعلموا ذلك، ويحتمل أن يكون تقديره: قاتلوا عالمين بأنه ينصركم.

  ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين، فقال سبحانه: «وَإذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» من القرآن، قيل: في بيان الأحكام، وقيل: في مخازي المنافقين «فَمِنْهُمْ» يعني من المنافقين «مَنْ يَقُولُ» بعضهم لبعض، عن الحسن، والأصم. وقيل: يقول المنافقون لضعفة المسلمين على طريق الهزء، عن أبي علي. «أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا» فَبيَّنَ اللَّه تعالى حال الفريقين، فقال سبحانه: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا» قيل: إخلاصًا ويقينًا، عن الأصم. وقيل: تصديقًا بالفرائض مع إيمانهم بِاللَّهِ، عن ابن عباس. وقيل: ضموا الإيمان بِاللَّهِ بهذه السورة إلى الإيمان بسائر السور زيادة «وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» قيل: يسرون بما أنزل اللَّه من الفرائض، ويسر بعضهم بعضًا، وقيل: بما وعدوا من النصر والثواب، عن الأصم، وأبي مسلم. وقيل: يفرحون بالسورة المنزلة، حكاه الأصم.

  «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهِمْ مَرَضٌ» شك ونفاق، عن جماعة من المفسرين. وقيل: غمُّ وحزن برفعة النبي ÷ ونصر اللَّه إياه، عن أبي بكر علي. «فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ» قيل: كفرًا إلى كفرهم، وذلك أنهم كفروا بالسور ثم كفروا بهذه السورة. وقيل: إثمًا إلى إثمهم، عن مقاتل. وقيل: شكا إلى شكهم ونفاقًا إلى نفاقهم، وإنما أضاف ذلك إلى السورة؛ لأنهم كفروا عند نزولها، كقوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} وكقولهم: ما زادتك موعظتي إلا شرًّا، «وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ» يعني: أن ذلك المرض والكفر أدى إلى أن ماتوا على سوء حال، وهو الكفر المؤدي إلى النار.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب التفقه في الدين؛ لأنَّهُ تعالى خفف عن جميعهم ما يلزم بعضهم، فلو لم يلزمهم لكان البعض كالكل.