التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون 122 ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين 123 وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون 124 وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون 125}

صفحة 3298 - الجزء 5

  الخروج، وهاهنا أوجب على بعض التفقه، لا على جميعهم، وروي نحو ذلك عن ابن عباس والأصم.

  «لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» قيل: يحذرون بأس اللَّه ونقمته مثل ما نزل بالكفار، عن الأصم. وقيل: يحذرون العصيان وما نهاهم عنه، عن أبي علي.

  ثم بَيَّنَ تعالى ما يجب تقديمه من قتال الأقرب فالأقرب في الدار والنسب، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ» قال الحسن والأصم: نزلت الآية قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافة، وهذا لا وجه له؛ لأن تلك الآية بيان لوجوب القتال، وهذه الآية بيان كيفية القتال، ولا تنافي بينهما، فلا نسخ فيه. وقيل: كان النبي ÷ يجعل عدوه وراء ظهره ويجاوزهم إلى غيرهم يريهم أنه لا يخافهم، فنزلت هذه الآية تعليمًا لكيفية القتال، وهذا لا وجه له؛ لأنه كان يخرج بأمر اللَّه ويجاوز قومًا بأمره. وقيل: فيه تعليم كيفية القتال، وأن الواجب الأقرب فالأقرب، وهو الأولى في ترتيب الجهاد، وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين، وأبي علي، وهو الأوجه والأولى لوجوه: منها: أن ترك الأقرب والاشتغال بالأبعد في النهي عن المنكر تعريض للتهمة، ولأن فيه الضرر بديار المسلمين وذراريهم وأموالهم وتعريضهم للسبي؛ لأن قرب المسافة مما تدعو إلى الجهاد، ولأنك لبلد من بلاد المسلمين إذا قاتل أهله مَنْ يليهم قلّ الخوف على ديار المسلمين، ومعنى قوله: «يَلُونَكُمْ» يقرب منكم، قيل: الأقرب فالأقرب في الدار والنسب، وقيل: مثل قريظة والنضير وخيبر وفدك ونحوها، عن ابن عباس. وقيل: أراد الروم وكانوا سكان الشام أقرب إلى المدينة من العراق، وكان الحسن إذا سئل عن قتال الروم والترك والديلم تلا هذه الآية.

  «وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً» قيل: ليحسوا منكم الغلظة، وقيل: أغلظوا عليهم، والغلظة: الشدة، قيل: في القتل تَشُّددًا، عن الأصم، وأبي مسلم. وقيل: في الكلام والمناظرة؛ لأنه أهيب، عن أبي علي. وقيل: غلظة عنفًا، عن الضحاك. وقيل: صبرًا على الجهاد، عن الحسن. «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» بالنصرة والمعونة والحفظ،