قوله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون 24 والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 25}
  فقال سبحانه: «مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ» كالحبوب والبقول والثمار «وَالأنعَامُ» أي: وتأكل الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، فيأكلون الحشيش، وسائر أنواع المراعي «حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا» أي: حسنها وبهجتها بأنواع الألوان، وأجناس الأوراد «وَازَّيَّنَتْ» أي: تزينت في عين رائيها، يعني: حسنت، وقيل: أتت بالزينة، عن قطرب، «وَظَنَّ أَهْلُهَا» أي: مُلَّاكُها «أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيهَا» قيل: على الانتفاع بها، وقيل: قادرون على استصحاب تلك الحال «أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» أي: أتى قضاؤنا بإهلاك تلك الزينة ليلاً أو نهارًا «فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا» أي: مقطوعة مقلوعة، والمراد محصودة صرفت إلى فَعِيلٍ «كَأَنْ لَمْ تغْنَ بِالأَمْسِ» يعني كأن لم تكن على تلك الصفة بالأمس، وقيل: كأن لم يكن نعيمهم، عن الأصم «كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ» أي: نبين الحجج والعبر «لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» فيه فيؤديهم إلى العلم، وخصهم بالذكر؛ لأنهم المنتفعون به، وإلا فالأدلة نصبت للجميع.
  ثم رغب في الآخرة فقال سبحانه: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ» أراد: لا تشتغلوا بالدنيا، فإنها فانية واطلبوا دار السلام التي دعاكم إليها ربكم، «إِلَى دَارِ» يعني إلى ما يوصلكم إليها، وهي الإيمان والطاعة، ودعاؤه قيل: على لسان أنبيائه، وقيل: بالعقل والشرع، وبما وعد وأمر وزجر، ثم وصف الدار بأنها دار السلام، والمراد به الجنة، واختلفوا لم سميت دار السلام؟ قيل: لأن السلام اسم اللَّه تعالى، وداره الجنة، عن الحسن وقتادة، وقيل: دار السلامة من كل آفة، عن أبي علي والزجاج، والسلام والسلامة بمعنى، كالرضاع والرضاعة، قال الشاعر:
  فَحَيَّا بِالسَّلاَمَةِ أُمَّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لَكِ بَعْدِ قَوْمِكِ مِنْ سَلاَمِ