التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون 28 فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين 29 هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون 30}

صفحة 3359 - الجزء 5

  · المعنى: لما تقدم ذكر الجزاء بَيَّنَ تعالى وقت الجزاء، فقال سبحانه: «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ» أي: نجمعهم يعني الخلق «جَمِيعًا» إلى القيامة من أماكن مختلفة «ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا» يحتمل أن يقول هو، ويحتمل أن يقول مَلَكٌ بأمره «مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُركاؤُكم» يعني: اثبتوا والزموا مكانكم أنتم وجميع شركائكم يعني الأوثان، فإنكم لزمتموها في الدنيا، قيل: قوله: «مَكَانَكُمْ» وعيد وتخويف، يقال للرجل: مَكَانَكَ، عند تخويفه عما يريد إنزاله به، عن الأصم وأبي علي، وقيل: قفوا لتسألوا، كقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوْا} ثم قال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}، «فَزَيَّلْنَا بَينَهُمْ» يعني: فرقنا وميزنا بينهم وبين الأوثان فيتبرأ منهم الشركاء، فيزدادون غَمًّا وحسرة، وقيل: يفرق بينهم وبينها ليعلموا أنهم اعتصموا بعروة واهية، وقيل: فرقنا بينهم فلم يتناصروا، وقيل: ألحقنا كل كافر بدركته، «وَقَال شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ» قيل: إنه تعالى يحيي الأوثان وينطقهم، فتقول: [ما كنا] نشعر بأنكم كنتم إيانا تعبدون، عن مجاهد. وقيل: نخلق فيهم الكلام حتى يُسْمَعَ منها، والأول الوجه؛ لأن الكلام يكون كلاما لهم إذا تكلموا به، وقيل: لا يجوز على أهل الآخرة الكذب، فلا بد مِنْ حَمْلِهِ على ما ذكرنا، وقيل: أراد بالشركاء الملائكة، فيتبرؤون منهم، ويقولون لهم ذلك، وقيل: شركاؤهم: من كانوا يعبدونهم من الشياطين.

  ومتى قيل: كيف قالو: مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ؟

  قلنا: فيه وجهان:

  قيل: ما كنا نشعر بذلك، وقيل: ما عُبِدْنا بأمرنا، وهذا قول مشايخنا، وقيل: إنه حال دهش، فهو ككذب الصبي، عن الإخشيدية، وقيل: هذه مجاحدة منهم كأنه لا يعتد بعبادتهم للإهانة بهم، وقد بَيَّنَّا أن ذلك لا يجوز.