التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين 37 أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين 38 بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين 39 ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين 40}

صفحة 3370 - الجزء 5

  تعبدون من دون اللَّه وتدعونه إلهًا، عن أبي مسلم. وقيل: من تستطيعون من الأمم المخالفة له ليعينوكم، عن الأصم. وقيل: شهداءكم يعني ناسًا يشهدون لكم، عن مجاهد. «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» أن محمدًا افتراه، وهذا أيضًا غاية في التحدي والتعجيز «بَل كَذَّبُوا» يعني لَمَّا لم يقدروا على الإتيان بمثله عدلوا إلى التكذيب، كأنه قيل: لما لم يأتوا بمثله، وعجزوا عنه، ولم يكن لهم حجة «كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ» أي: لم يحفظوه، ولم يعرفوه، يل نسبوه إلى الكذب، عن الأصم. وقيل: لم يعلموا المتشابه، عن أبي علي. وقيل: كذبوا القرآن من غير علم ببطلانه، وقيل: كَذَّبُوا ما وُعِدُوا به من أمر المعاد، عن أبي مسلم. وقيل: كذبوا ما نزل من الوعيد على كفرهم، وقيل: كذبوا من غير علم بعاقبة مَن كَذَّبَ.

  ومتى قيل: ما معنى الإحاطة هاهنا؟

  قلنا: هو أن العلم بكون القرآن معجز يحصل من وجوه كثيرة، فمتى لم يحصل لهم لم يكن محيطًا بها، فبين بهذا إهمالهم أنفسهم.

  «وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» قيل: تفسيره، وما يؤول إليه، وقيل: عاقبة ما وعدوا به من الوعد والتأويل ما يؤول إليه الأمر «كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ» أي: كما يكذب هَؤُلَاءِ كذب الأمم السالفة رسلهم، وفيه تسلية للنبي صلى اللَّه عليه وعلى آله «فَانْظُرْ» يا محمد «كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ» بالهلاك «وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ» قيل: منهم من سيؤمن بالقرآن، ويصدق أنه من عند اللَّه، ومنهم من يموت على كفره، فأخبر عن معلومه فيهم، وأنه إنما لا يهلكهم لما في التبقية من الصلاح، وقيل: منهم من يؤمن به ظاهرًا وباطنًا، ومنهم من لا يؤمن كذلك، وقيل: ومنهم من يؤمن بالمعاد، ومنهم من لا يؤمن به «وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ» أي: يعلم من يدوم على الفساد، ويعلم من يتوب، فيبقى من الصلاح في تبقيته، عن أبي مسلم.