التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين 45 وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون 46 ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون 47}

صفحة 3375 - الجزء 5

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى حالهم يوم الجمع، فقال سبحانه: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ» يجمعهم من كل مكان إلى الموقف جميعًا، أي: لا يغادر أحدًا منهم «كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ» قيل: لم يلبثوا في الدنيا، عن الضحاك وجماعة. وقيل: في قبورهم، عن ابن عباس. واختلفوا في استقلالهم للدنيا، فقيل: إذا حشروا للحساب فكأنهم لَمْ يلبثوا في الدنيا إلا ساعة، ولا ينفعهم طول المدة كقوله: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ}، عن أبي مسلم. وقيل: قلَّ ذلك عندهم لما شاهدوا من أمر الآخرة وأهوالها، عن الأصم. وقيل: قَلَّ ذلك عندهم لأنهم رجوها باللذات واتبعوا الشهوات، ثم ذهبت لذاتها، وبقيت تبعاتها فاستقلوها، وعظمت الآخرة لما يرون من أهوالها بخلاف المؤمنين، فإنهم بالشدة والمشقة، وقيل: قَلَّ ذلك بالإضافة إلى طول لبثهم في الحشر، وقيل: قَلَّ ذلك في أعينهم؛ لأنهم لم ينتفعوا به، وقيل: لأنهم لم يعلموا ما بعد الموت من لبثهم في القبر إلى وقت الحشر، نحو قوله: {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} «يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ» أي: يعرف بعضهم بعضًا ما كانوا عليه من الخطأ والكفر، عن الأصم، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا العذاب، ويبرأ بعضهم من بعض «قَدْ خَسِرَ» أي: أهلك نفسه بأن خسر ثواب اللَّه، واستحق عقابه «الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانوا مُهْتَدِينَ» أي: على الهدى والحق «وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ» يا محمد في حياتهم «بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ» أي: بعد هَؤُلَاءِ الكفار من العذاب «أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ» أو نميتك قبل أن ينزل بهم، وينزل ذلك بعد موتك، قيل: ذلك البعض: ظَفْرُهُ عليهم، وقيل: ما فعله بهم يوم بدر من القتل والسبي «فَإِلَينَا مَرْجِعُهُمْ» مصيرهم إلى حكمنا في الآخرة، لا يفوتون، وفيه وعيد لهم وتسلية للنبي - صلى اللَّه عليه وعلى آله - «ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ» قيل: عليم بأفعالهم، فيجازيهم بها، وقيل: واللَّه شهيد، وأنت شهيد؛ لأن الرسل شهداء على الأمم «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ» أي: لكل جماعة وقرن «رَسُولٌ» أي: نبي يبلغهم رسالة ربهم، وينذرهم «فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ» في الكلام إضمار أي: إذا جاء رسولهم