قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62 الذين آمنوا وكانوا يتقون 63 لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم 64 ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم 65}
  «وَفِي الآخِرَةِ» قيل: في قبورهم بالجنة، عن الأصم. وقيل: عند خروجهم من قبورهم يوم القيامة، عن أبي علي. وقيل: ما يصيرون إليه من الثواب، عن أبي مسلم. «لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ» أي: لا خلف ولا تغيير في كلامه ووعده ووعيده و «ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» أي: الظفر والنجاة العظيمة «وَلاَ يَحْزُنْكَ» يا محمد، هذا صيغة النهي والمراد التسلية، كأنه قيل: لا تعبأ بقولهم؛ فليس مما يعتد به ويحزن لأجله «قَوْلُهُمْ» أي: قول المشركين في تكذيبهم، فقد ظهر صدقك، وقيل: فيما تَوَعَّدُونك من القتل والأذى، فإن اللَّه يعصمك «إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ» أي: القهر والغلبة، فينتقم منهم، وقيل: لا يحزنك قولهم فيما ادعوا من الشركاء والآلهة فإن العزة: القدرة، لله دونهم، عن أبي مسلم. وقيل: العزة لله يعز من يشاء، عن سعيد بن المسيب، قيل: إنهم يطلبون العزة في تكذيبك، والعزة لله، فينبغي أن تطلب من جهته، وقيل: يعازونك بالمال والأتباع، واللَّه قادر، فيسلبهم ذلك، ويجعل العزة كلها لك، وقيل: لا يحزنك كثرتهم، فالعزة للإسلام «هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» يعني السميع لأقوالهم، العليم بضمائرهم، فيجازيهم بما يقتضيه حالهم، ويدفع عنك شرهم.
  · الأحكام: تدل الآية على أن المؤمنين لا يلحقهم في الآخرة خوف ولا حزن، على ما يذهب إليه شيخانا أبو علي وأبو هاشم خلاف ما يقوله قوم: إنه يلحقهم أهوال وشدائد.
  وتدل على أن اختصاص أولياء اللَّه بأنه لا خوف عليهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ أن كثيرًا من الأعداء هذا حالهم.
  وتدل على أن تلك الحالة تُنَالُ بفعل الواجبات واتقاء المعاصي، فيبطل قول المرجئة.
  وتدل على أنه لا يجوز خلف الوعيد؛ لأنه تبديل لكلامه، خلاف ما تقوله جماعة من المرجئة.