التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين 97}

صفحة 508 - الجزء 1

  الرابع: قال بعضهم: كانت اليهود تقول ذلك للمسلمين، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية. واختلفوا في سبب العداوة. فقيل: لأنه نزل بالقرآن على النبي ÷ مشتملاً على أخبار اليهود، وفضائحهم، وقتلهم، وأخذ الجزية منهم صغارًا، وإجلائهم، وقيل: لأنهم قالوا: إنه ينزل بالشدة في العذاب، وقيل: لأنهم قالوا: إنه غلط في النبوة عن مقاتل، وقيل: قالوا: وجدنا في كتابنا أن بختنصر سيخرب بيت المقدس فبعثنا من يقتله، وهو صبي ضعيف، فمنعه جبريل، وقال لصاحبنا: إن كان ربكم أذن في خرابه فلن تسلط عليه، وإن لم يأذن فعلى أي وجه تقتله، فتركه صاحبنا ورجع، وكبر بختنصر، وخرب بيت المقدس، عن ابن عباس.

  · المعنى: ثم رد عليهم ما قالوا - في جبريل # فقال تعالى: «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ اليهود «مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ» يعني فإن جبريل نزل القرآن على قلب رسول الله ÷ والمراد به يقرأ عليه فيحفظه كأنه نزله على قلبه «بإذْنِ اللَّهِ» قيل: بأمره نزل عليه، وقيل: بعلمه، ومعناه إن كانت عداوتهم لجبريل؛ لَأَنه ينزل بالقرآن عليه، فإنما نزل بعلمه وأمره «مُصَدِّقًا لما بَينَ يَدَيهِ» قيل: جاء على مصداق ما قبله من الكتب، وقيل: على وفق ما فيه، وقيل: مصدق لما بين يديه أنه حق، وقيل: يصدقه في التوحيد والعدل، وإن خالفه في الشرائع، وقيل: في صفة محمد. وما بين يديه هو التوراة «وَهُدًى» دلالة وبيانًا، وخص المؤمنين به لاهتدائهم به، ولو كان هدى لغيرهم، وقيل: رحمة وثوابًا «وَبُشْرَى» يعني إن كان نزل بالعذاب على الكافرين فقد نزل بالرحمة والبشرى للمؤمنين ومعنى «وَبُشْرَى» أي يبشرهم بالنعيم الدائم.

  ويُقال: هدى، وبشرى صفة من؟

  قلنا: فيه وجهان: الأول: القرآن كأنه قال: نزله هدى وبشرى.

  الثاني: جبريل هدى وبشرى، أي يأتي بالهدى والبشرى.

  · الأحكام: الآية تدل على أن في اليهود من كان يعتقد عداوة جبريل؛ لأن إظهار النبيّ ذلك وادعاءه عليهم وسكوتهم عن إنكاره دليل على عداوتهم إياه.