التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين 74 ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين 75 فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين 76 قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون 77 قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين 78}

صفحة 3405 - الجزء 5

  الحذف، تقديره: أتقولون للحق لما جاءكم: هذا سحر، أسحر هذا، فحذف السحر الأول لدلالة الكلام عليه، عن أبي مسلم وغيره.

  الثاني: على التكرير كقولك: أتقول: أعندك مال.

  الثالث: أن يكون حكاية قولهم، تقديره: أتقولون: أسحر هذا؛ لأن القوم لما رأوا الآيات قالوا: أسحر هذا؟ فحكى اللَّه تعالى قولهم.

  والألف في قوله: «أجئتنا» ألف استفهام، والمراد الإنكار على طريق الحجاج.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى قصة مَنْ بعثه بعد نوح، فقال سبحانه: «ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ» أي: من بعد نوح «رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ» أي: كل رسول إلى قومه «فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج والمعجزات، وقيل: بالأمر والنهي، وبيان الشرائع «فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ» أي: لم يكونوا يصدقون بما كذبت به أوائلهم، وقيل: لم يكن منهم من يؤمن به بعد هذه الآيات، بما كذبوا به من قبلها، بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات وبعدها، عن أبي مسلم، وقيل: ما كان أمم هَؤُلَاءِ الرسل كلهم ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح، عن أبي علي، وقيل: فما كانوا ليؤمنو أبدًا بما كذبوا في ابتداء حال الرسل خبرًا، وكان هذا خبرًا عن حال المعذبين؛ لأن من الأمم من آمن، عن الأصم «كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ» يعني نختم، وهو سمة أهل الكفر والضلال، وهي العلامة التي نعلمها في قلوب الكافرين، عن أبي علي، وقيل: نخلي بينهم وبين اختيارهم، فصار ذلك الكفر والرد على الرسل طبعًا، وعادة لهم شق عليهم أن يفارقوه، عن أبي مسلم، وقيل: نطبع بالإهلاك حتى لم يسمعوا، ولم يفهموا، كما فعل بأولئك «الْمُعْتَدِينَ» قيل: المجاوزين للحد في العصيان، وقيل: المجاوزين من الحلال إلى الحرام، «ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ» من بعد الرسل، ويحتمل بعد الأمم «مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ» قيل: أشراف قومه، وقيل: جماعة أنصاره وأتباعه «بِآيَاتِنَا» بحججنا