التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين 87}

صفحة 3414 - الجزء 5

  المؤمنين: (الوَحَاءَ الوَحاءَ) والإيحاء والإيماء والإشارة. من النظائر، ومنه: {فَأَوحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا} قيل: أشار إليهم، ثم يستعمل الوحي بمعنى الإلهام، وبمعنى الرؤيا، فإذا أطلق لا يوصف به إلا الأنبياء، فإذا استعمل في غيرهم كقوله: {وَأَوحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي: ألهم.

  وتبوأ: أصله تفعل من البواء وهو المكان. وأصله: الرجوع، يقال: باء، أي: رجع، وتبوأ: اتخذ منزًلا يرجع إليه، وبوأته منزلاً أي: اتخذته له.

  والقبلة: الجهة، ومنه: {مَا وَلَّاهُم عَن قِبْلَتِهِمُ} أي: جهتهم، وسميت قبلة؛ لأن المصلي يقابلها وتقابله، يقال: أين قِبْلَتُكَ؛ أي: جهتك، وفعل ذلك قُبُلاً أي: مواجهة.

  · الإعراب: (مصر) لا ينصرف؛ لأنه مؤنث، معرفة، كقولك: هند، إلا أن تَرْكَ الصرف أقيس.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الخوف من فرعون وقومه في إظهار شعار دينهم أمر تعالى بالتحرز عنهم، وبين كيفية الصلاة، فقال سبحانه: «وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ» أي: أمرناهما «أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا» أي: اتخِذَا لمن آمن بكم «بِمِصْرَ» هي مصر المعروفة بيوتا يسكنونها ويأوون إليها «وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً» قيل: مصلى، عن أبي علي، وقيل: كانوا خائفين، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم، عن ابن عباس، ومجاهد، وإبراهيم، والسدي، والضحاك، وابن زيد، وأبي علي، وقيل: كانوا يصلون في كنائسهم ظاهرة، فلما أُرْسلَ موسى أمر فرعون بتخريب مساجدهم، ومنعهم من الصلاة، فأمر اللَّه تعالى أن يتخذوا بيوتهم مسجدًا، وقيل: مسجدًا، ولم يكن لهم بمصر مسجد يجتمعون فيه، عن الأصم، وقيل: قبلة نحو الكعبة، وكان قبلتهم إلى