قوله تعالى: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 93}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى حال بني إسرائيل بعد هلاك فرعون، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ بَوَّأْنَا» قيل: مَكَّنَّا، عن أبي مسلم، وقيل: هيأنا لهم منازل يرجعون إليها «مُبَوَّأَ صِدْقٍ» قيل: بيوت صدق، وقيل: منزل صدق، يعني: مبوأً صادقًا محمودًا، واختلفوا أين ذلك؟ فقيل: الشام ومصر، عن الضحاك، وأبي مسلم، وقيل: الشام وبيت المقدس، عن قتادة، وقيل: مصر، عن الحسن، وذلك أن موسى عبر ببني إسرائيل البحر، ورجعوا إلى مصر وتبَوَّؤُوا مساكن آل فرعون «وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيّبَاتِ» والحلال، وهو مواريث أهل مصر والشام، فإنهم خرجوا وتركوا أموالهم وديارهم وأغرقوا، وأعطى جميع ذلك بني إسرائيل، وقيل: أعطيناهم لذيذ الرزق «فَمَا اخْتَلفُوا» يعني بني إسرائيل، وهم اليهود الَّذِينَ كانوا في زمن النبي ÷ كانوا على الإقرار بالنبي قبل مبعثه، فلما جاءهم ما علموه وهو معلومهم اختلفوا، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، وأنكروا الرئاسة. وقيل: جاءهم العلم أي: القرآن، يعني: ما اختلفوا إلَّا من بعد ما جاءهم القرآن والأدلة، عن أبي علي، وقيل: كانوا على الكفر قبل مجيء محمد فلما جاء بالدلائل المؤدية إلى العلم اختلفوا فآمن فريق وكفر فريق، عن الحسن، وابن زيد. وقيل: هم أسلاف اليهود، عن جماعة من المفسرين، ثم اختلفوا، فقيل: لما رجعوا إلى مصر صاروا أغنياء وملوكًا، وكثر نسلهم، فاختلفوا، عن الأصم، فكأنه قال: لم يختلفوا إلى أن جاءهم المعجزات وعاينوا الآيات، وقيل: اختلفوا بعد التوراة والإنجيل، وقيل: آمنوا في زمن الخوف والضيق، واختلفوا في زمن السعة والأمن بعد العلم بصحة نبوة موسى اختلفوا بعده «إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَينَهُمْ» أي: يحكم بينهم «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لأنّ مع بقاء التكليف لا تزول الشبهة فلا يرتفع الخلاف، وفي الآخرة يزول الشك والشبهة، ويحصل العلم الضروري، فيعلم الحق من الباطل «فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» من أمر أديانهم فيميز المحق من المبطل، فيدخل [المحقَّ الجنة، والمبطلَ] النارَ.