التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين 98}

صفحة 3432 - الجزء 5

  ومتى قيل: أليس كان أخبر اللَّه تعالى أنه يعذبهم يوم كذا، وأخبرهم النبي أن العذاب يصبحهم، فكيف خالف؟

  قلنا: كان الوعيد بشرط عدم التوبة، وهكذا وعيد سائر المكلفين.

  «كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ» الهوان، وهو عذاب الاستئصال في الدنيا، وأراد كشفنا قبل نزوله وكانوا يتوقعون ذلك، ولم يترايا لهم أن لو عاينوا لأهلكوا كسائر الأمم «وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ» يعني إلى وقت، وهو وقت انقضاء أجلهم.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الإيمان إنما ينفع في حال الاختيار، وأنه في حال الإلجاء لا ينفع فلا يقبل، وأن قوم يونس آمنوا وهم مختارون.

  وتدل على أنه تعالى لم يَعِدْهُمْ بالعذاب قطعًا، ولا أخبرهم الرسول؛ إذ لو كان كذلك لما جاز خلافه، ولكن أوعدوا بشرط عدم التوبة، وروي أن قوم يونس تضرعوا أربعين ليلة.

  وتدل على أن الإيمان فعل العبد، فيبطل قول [مخالفينا] في المخلوق.

  القصة

  قد روي في هذه القصة أشياء كثيرة منها ما هو جائز، ومنها ما هو منكر، ونحن نبين الصحيح، ونميز بينه وبين الفاسد:

  فروي عن سعيد بن جبير والسدي ووهب وابن إسحاق أن يونس أرسله اللَّه تعالى إلى قومه بِنِينَوَى من أرض الموصل، فدعاهم إلى الإيمان، فأبوا، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث إن لم يتوبوا، وخرج يونس من بين أظهرهم، فلما أصبحوا وظهرت الأمارات التي كان أخبر بها يونس نحو غيم أسود وأشباه ذلك تابوا، وخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، ولبسوا المسوح، وأخلصوا التوبة، وتضرعوا، وفرقوا بين كل والدة وولدها، وعلت الأصوات، فأجاب اللَّه تعالى دعاءهم، وكشف عنهم العذاب.