التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين 99 وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون 100}

صفحة 3433 - الجزء 5

  وقيل: بلغ من توبتهم أن ردوا المظالم، عن ابن مسعود.

  وقيل: أتوا شيخًا من بقية علمائهم وشاوروه فقال: قولوا: يا حي حين لا حي، يا حي محيي الموتى، ولا حي لا إله إلا أنت. فقالوها، فكشف اللَّه العذاب، وخرج يونس وركب البحر، وظهرت الحوت وتساهموا، ووقعت القرعة عليه فقذفوه، فالتقمه الحوت، فبقي في بطنه أربعين ليلة، ثم قذفه إلى الساحل، وأنبت اللَّه عليه شجرة من يقطين، ثم بعثه بعد ذلك، واختلفوا أنه بعث إلى قومه أو إلى غيرهم، على قولين، فهذا مما روي، وهو جائز ليس فيه شيء ينكره العقل والشرع.

  فأما ما روي من المناكير، وهو ما رووا أن يونس قال لهم: إن العذاب يصبحهم لا محالة، وأقام ينتظر فلم ير شيئًا، فخرج مغاضبًا لربه، وهذا عظيم لا يجوز مثله على الأنبياء؛ لأن الأنبياء لا تخبر إلا عن وحي، وهو تعالى لا يخلف الوعد، ولأنه لا يجوز أن يغضب على اللَّه؛ لأنه كفر.

  ويروون أن العذاب غشيهم، وهذا [لا] يجوز؛ لأنه لو كان كذلك لصاروا ملجئين، فلا يقبل إيمانهم.

  ورووا أن قوم يونس كانوا يقتلون من كَذَبَ، وأن يونس لما لم ير العذاب قال: كيف أرجع إلى قومي، فهرب. وهذا فاسد لما بينا أن الكذب لا يجوز على الأنبياء.

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ٩٩ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ١٠٠}

  · القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم: «ونَجْعَلُ» بالنون على قراءة الحسن على أنه ذكر بنون التعظيم، وقرأ الباقون بالياء كناية عن اسم اللَّه تعالى.

  قراءة العامة: «الرجس» بالسين، وعن الأعمش بالزاي، وهما بمعنى.