قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين 25 أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم 26 فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين 27}
  الأشراف والرؤساء، وقيل: جماعة الكفار «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَومهِ» الَّذِينَ بعث إليهم «مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا» يعني: قالوا لنوح: إنه بشر مثلنا ظَنًّا منهم أن الرسول يكون من جنس آخر، ولم يعلموا أن البعثة من الجنس أصلح، وعن الشُّبَهِ أبعد، ولأنه يتبع الصلاح، ولأن الرسول يظهر بالمعجز من أي جنس كان، فالمعتبر به «وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا» أي سفلنا أصحاب الحرف الخسيسة الَّذِينَ لا مال لهم ولا جاه «بَادِيَ الرَّأْيِ» بترك الهمز يعني بظاهر الرأي، وبالهمز بأول الرأي، قيل: معناه أراذلنا وسفلنا برَأي العين، عن مجاهد، وأبي علي، وأبي مسلم. يعني نراهم الأراذل لا نحتاج في تحقق أمرهم إلى تفكر، وقيل: اتبعوك بأول الرأي وظاهره من غير تفكر وروية، وقيل: يظهرون الإيمان ويبطنون خلافه، ويدل عليه قوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا في أَنفُسِهِم}، عن الأصم. «وَمَا نَرَى لَكُمْ» أي: لنوح ومن تبعه «عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ» في العلم والمال والجاه، وإنما قالوا ذلك لأنهم جهلوا طريقة الاستدلال، ولو استدلوا بالمعجزات أنه نبي لعلموا أنه نبي، وأن مَنْ آمن به مؤمن، وهم بمخالفته كفار، لعلموا الفضل، وهكذا عادة أرباب الدنيا، ينظرون إلى أرباب الدين إذا كانوا فقراء بعين الحقارة، ويسمونهم الرُّذال، والرذال عند اللَّه هم العصاة، فأما المؤمن - وإن كان فقيرًا - فهو عند اللَّه أكرم وأعز، وقيل: إنه خطاب لمن اتبع نوحًا، أي: لا نرى أنكم باتباعه استفدتم مالاً أو جاهًا، توهمًا منهم أن الثواب يكون في الدنيا «بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ» فيما تقولون.
  · الأحكام: تدل الآية على أن الغرض من بعثة الأنبياء الإنذار والتخويف ليبلغوا الأمر والنهي فتدل من هذه الجهة أن أفعال العباد حادثة من جهتهم، وأنهم يقدرون على الإيمان والكفر، ولو كان أفعالهم خلقًا له أو كانوا لا يقدرون لما أفادهم البعثة والإنذار والتخويف، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة.
  وتدل على أن البعثة تكون لطفًا.