قوله تعالى: {قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون 28 وياقوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون 29 وياقوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون 30 ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين 31}
  يبصر لآفة في حاسته، هذا هو الأصل، ثم يقال: هؤلاء في عميهم أي: جهلهم؛ لأنه لا يبصر فيه، والمعامي الأراضي التي ليس بها أثر، ويقال: عمي عن الخير، وعمي عليه الخير، وفي الحديث: «نهى عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة صَكَّةَ عُمَيٍّ»، أي: حين كاد الحر يعمي.
  والطرد: الإبعاد على جهة الهوان، طرده طردًا، وطرَّدَهُ بالتشديد: أخرجه عن بلده، وتَطَارَدَ الأَقَرَانُ: حمل بعضهم على بعض.
  والازدراء: الاحتقار، وهو «افتعال» من الزراية، يقال: زريت عليه عيبته، وازدريت عليه: إذا قصرت به.
  · الإعراب: «أَنُلْزِمُكُمُوهَا» فيها ثلاث مضمرات: ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب، وهو على ترتيب حسن، بدأ بضمير المتكلم؛ لأنه أخص بالفعل، ثم بالمخاطب؛ لأنه أخص من الغائب، ثم بالغائب، ولو أتى بدل الثالث بالمنفصل جاز للمباعدة عن العامل، كقولك: ما ضربني إلا أنت. والميم فيه مضموم، وقيل: يجوز إسكانه، واختاره الفراء، وجعله بمنزلة عَضْد وعَضُدٍ، وكَبِد وكَبْد.
  قال علي بن عيسى: وبينهما فرق بيِّنٌ عند أصحابنا؛ لأن الإعراب لا يلزم فيه الثقل كما يلزم في بناء الكلمة، وإنما جاز مثل هذا في ضرورة الشعر كقول الشاعر:
  ونَاعٍ يُخْبِرنَا بِمَهْلِكِ سَيِّدٍ ... تَقَطَّعُ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِ الأنامِلُ
  ويزدري: أصله: يزتري، بالتاء، فأبدلت التاء دالاً، فصار يزدري.
  (رحمة) نصب بـ (أتاني).
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى جواب نوح لقومه وما ألزمهم من الحجة، فقال سبحانه: «قَالَ يَا