قوله تعالى: {قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون 28 وياقوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون 29 وياقوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون 30 ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين 31}
  قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» أي: حجة، اختلفوا في أنه جواب عمَّاذا فقيل: في قولهم: {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} كأنه قيل: تظنوني كاذبًا فما تقولون لو كنت على خلافه، وعلى بينة: حجة من اللَّه واضحة أتصدقوني؟ عن أبي مسلم، وقيل: هو جواب عن قولهم: «مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا» فمعناه إن كنتُ بشرًا كما تقولون إذا أتيتكم بحجة دالة على صدقي أتصدقوني، وقيل: المقصود بالرسالة نفع الخلق، فإذا أظهر المعجز فقد أوضح الحجة، وأتم النعمة، فلا معنى لاعتبار البشرية، وقيل: هو جواب عن قولهم: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} كأنه قيل: الحق لا يتبع المال والجاه، وإنما يتبع الحجة والدلالة، فما تقولون لو كنت على بينة من ربي، أي: برهان فيما أدعوكم إليه، وأنتم تهلكون أنفسكم، وقيل: هو جواب عن قولهم: «مَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ» كأنه قيل: اعتَصَمُوا بِاللَّهِ وبما أتاهم من البينة والرحمة فنالوا المنزلة الرفيعة، وأنتم تبعتم الدنيا الفانية، فأنتم الأراذل لا هم، ثم رد جميع ما قالوا، وبيَّن أنه تعالى أتاهم الخير والرحمة، فقال سبحانه: «وَآتَانِي» أعطاني «رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ» فأضاف البينة إليه؛ لأنه المنعم بنصب الأدلة وأضاف الرحمة إليه؛ لأنه المبتدي به، والرحمة والنعمة قيل: هو الدين، وقيل: الرسالة، وقيل: المعجزة «فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ» أي: خفيت، وقيل: المراد عموا عنها، إلا أنها جاءت كذلك للتصرف في الكلام مع الإفهام من غير إخلال، كما يقال: أدخلت الخاتم في يدي، وأدخلت القلنسوة في رأسي «أَنُلْزِمُكُمُوهَا» يعني: الرحمة فيدخل فيه الإسلام والدين وسائر النعم «وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ» قيل: معناه: ولا ألزمكم، وقيل: معناه: كيف ألزمكم وأنتم له كارهون، وقيل: معناه على الدعاء وبيان الأدلة، وليس علي أن أضطركم وألجئكم، وقيل: معناه: أنجعلكم قابلين لها مع كراهتكم،