التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون 36 واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون 37 ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون 38 فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم 39}

صفحة 3494 - الجزء 5

  لا يعلم إلا بالسمع، فلما علم ذلك دعا عليهم؛ لأنه فهم في ذلك أنه لا يؤمن منهم أحد، ولا من نسلهم، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ٢٦}. «فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» أي: لا تغتم بأمرهم وبفعلهم، فالفرج قريب، وقيل: لا يهمنك إهلاكهم، فإن اللَّه تعالى يهلكهم ويذلهم، ويعزك وينجيك.

  ولما أراد إهلاكهم أمر نوحًا باتخاذ السفينة له ولقومه، فقال سبحانه: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ» أي: اعمل السفينة، فنجاتك ومن آمن بك بها «بِأَعْيُنِنَا» قيل: بمرأى منا، عن ابن عباس، والضحاك، ومعناه أنَّا نرى ذلك، وقيل: بعلمنا، عن مقاتل، وقيل: بحفظنا، عن الربيع، وقيل: بحفظنا إياك عن قومك، وعلى ما علمك اللَّه، عن الأصم، وقيل: بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بك، وكانوا سفراء له، يعلمونه كيفية السفينة، عن أبي علي «وَوَحْيِنَا» قيل: ما أوحينا إليك من صفتها وحالها، عن الأصم، وأبي مسلم، وقيل: بأمرنا أن اصنعها، قال ابن عباس: وذلك أنه لم يعلم صنعة الفلك، فأوحى اللَّه إليه، وعَلَّمَهُ «وَلا تُخَاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا» أي: لا تسألني العفو عن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كفروا من قومك، ولا تشفع لهم «إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» أي: عن قريب سيغرقون، وهذا غاية في الوعيد، كما يقال: لا تذكر حديث فلان بين يدي، وقيل: عنى بذلك امرأته وابنه.

  ومتى قيل: كيف أخبر أنهم مغرقون، ولم يغرقوا بعد؟

  قلنا: لتيقن توقعه.

  ومتى قيل: هل كان يجوز ألّايغرقهم؟

  قلنا: نعم بأن يتوبوا ويسلموا، فإن الوعيد وإن كان مطلقًا يكون مشروطًا بذلك.

  «وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ» يعني أن نوحًا أخذ في عمل السفينة، وأعرض عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد، وقيل: كان طول السفينة ألف ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، عن الحسن وجماعة، وقيل: طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعا، وارتفاعها ثلاثون ذراع، وبابها في عرضها، عن ابن عباس وقتادة، وقيل: