التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون 36 واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون 37 ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون 38 فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم 39}

صفحة 3495 - الجزء 5

  كانت من خشب الساج، وكانت ثلاث طبقات: طبقة للناس، وطبقة للطير، وطبقة للدواب والوحش، وعملها في سنتين، عن ابن عباس، وقبل: عملها في أربعمائة سنة، وعن عائشة عن النبي ÷ أن نوحًا مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، فلما كان آخر زمانه غرس شجرة، وعظمت فقطعها، ثم عمل منها السفينة «وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ» جماعة «سَخِرُوا مِنْهُ» قيل: لما رأوه يعمل سفينته في البَرِّ على صفة من الهول، ولا ماء هناك، كانوا يتضاحكون منه، وقيل: قالوا: أَصِرْتَ نجارًا بعدما كنت نبيًّا، عن الأصم، وقيل: قالوا ما يقدر إلهك أن يكفيك، عن الأصم، وقيل: نظروا إليه بعين الاستخفاف، وظنوا أنه يفعل ذلك لغير فائدة؛ لأنهم لم يكونوا رأوه، فـ «قَال» نوح مجيبًا لهم «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا» اليوم «فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ» أي: نجازيكم بالسخرية بالذم لكم، فنقول عند نزول العذاب: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زعموا أنهم أهل دين وحق فذوقوا، عن الأصم. وقيل: قال: لسخريتكم تعود عليكم بالغرق، وقيل: أراد بالسخرية الشماتة بهم، وقيل: أراد العذاب، ولذلك فسره بالعذاب، وسماه سخرية لتقابل الكلام، وقيل: إن تستجهلوني فإنا عند نزول العذاب نستجهلكم، عن الزجاج «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» كلمة وعيد، أي: تعلمون عند نزول العذاب بكم وبال فعلكم، وصحة ما أقول «مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ» أي: تظهر فضيحته بإهلاكه «وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ» يعني دائمًا وهو عذاب النار، يعني يصيرون بعد الغرق إلى عذاب دائم.

  · الأحكام: تدل الآية الأولى أنه تعالى أعلم نوحًا # اليأس من قومه، فقال الأصم: فبين أنه لا يهلك قومًا وفيهم من يؤمن، وأنه إنما أهلكهم لما علم أنه لا يؤمن منهم أحد.

  وقد اختلفوا في تبقية من يعلم أنه يؤمن، فقال أبو علي: واجب، ولا يجوز اخترامه، وقال أبو هاشم: يجوز، واتفقوا أنه يجوز تبقية من يعلم أنه يكفر، وبه يبطل اعتلالاتهم.