التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم 41 وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين 42 قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين 43}

صفحة 3501 - الجزء 5

  وقوله: «إِلَّا مَنْ رَحِمَ» قيل: استثناء منقطع، كأنه قيل: لكن من رحم فهو معصوم، وقيل: تقديره: لا عاصم من أمر اللَّه إلا اللَّه، قيل: تقديره: لا عاصم اليوم من أمر اللَّه إلا مَنْ رَحِمْنا، فأنقذنا، وقيل: إلا من رحم اللَّه بالنجاة، وهو نوح، فإنه يعصم بأمر اللَّه في السفينة، ومن آمن به وأطاعه، وهو اختيار أبي علي. و (مَنْ) قيل: محله رفع، وقيل: محله نصب، فعلى الأول تقديره: لا «عاصم» إلا اللَّه، وعلى الثاني: لا «معصوم» إلا مَنْ |، وقيل: إلا من رحم يعني نوحًا #.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ ركوب السفينة، ومن تخلف عنها، فقال سبحانه: «وَقَالَ» نوحًا لقومه المؤمنين «ارْكَبُوا فِيهَما» يعني في السفينة «بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» وقيل: المجرى موضع الإجراء، والمرسى موضع الإرساء، وقيل: نفس الإرساء والإجراء قيل: كان إذا أراد أن تجري قال: باسم اللَّه فجرت، وإذا أراد أن ترسو قال: باسم اللَّه، فرست، عن الضحاك، وقيل: إنها سارت لأول يوم من رجب، وقيل: لعشر مضين من رجب، فسارت ستة أشهر، ثم استوت يوم العاشر من المحرم على الجودي، وقيل: معناه اركبوا، واذكروا اسم اللَّه حيث تَمُرُّ، وحيث تقف، تبركًا باسمه، وشكرًا لنعمته، واعتصامًا به، وقيل: المجرى: الموضع الذي يجري فيه الماء، والمرسى: الموضع الذي ترسو فيه السفينة، وتقف، عن أبي علي. «إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» غفور للذنب بالتوبة، رحيم بنجاة المؤمنين في السفينة، وقيل: غفور حيث أمهلهم مع الكفر، رحيم بالمؤمنين حيث نجاهم «وَهِيَ» يعني السفينة «تَجْرِي بِهِمْ» بنوح ومن معه «فِي مَوْجٍ» واضطراب من الماء «كَالْجِبَالِ» عِظَمًا وارتفاعًا إشارة إلى شدة اضطراب الماء حال ركوبهم «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ» قيل: هو كنعان، قيل: كان كافرًا «وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ» في ناحية من دين أبيه، أي: اعتزل دينه فلم يقبله، وكان في معزل من السفينة اعتزل ممن ركبها، فلم يركب «يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا» قيل: ناداه سبع مرات: يا بني اركب.

  ومتى قيل: كيف دعاه وهو كافر، وقد نهي عن ركوب الكفار؟

  قيل: كان شاقق أباه، عن الأصم، والحسن، وأبي علي.