قوله تعالى: {قالوا ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين 53 إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون 54 من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون 55 إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم 56 فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ 57}
  والناصية: مقدم شعر الرأس، وقيل: هو قصاص الشعر، وأصل الناصية: الاتصال من قولهم: مَفَازةٌ تُنَاصِي مَفَازَة، أي: تتصل بها، ونصَوْتُه أنْصُوْه نصْوًا: إذا اتصلت به، والأخذ بالناصية عبارة عن القهر والملك.
  والتولي عن الشيء: الإعراض عنه.
  · الإعراب: «تولوا» قال أبو مسلم: أصله تتولوا، بتائين أسقطت أحدهما للتخفيف، ولأن في الثاني دليلا على المحذوف.
  · المعنى: ثم ذكر تعالى جواب قومه وما جرى عليهم، فقال سبحانه: «قَالُوا» يعني: كفار عاد «يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ» بحجة ومعجزة فنقر لك؛ وذلك لأنهم لم يُعدُّوا ما جاء به برهانًا لقلة التدبر، وهذا كذب منهم، وإنما تُعْلَمُ البينة بالتدبر، وإذا ظهرت ولم يتدبروا فيها بأمور عارضة كالشبه وتقليد الرؤساء وإيهام [المرد لها]، واعتقاد أصول فاسدة دعت تلك إلى جحدها، وكانت صارفة عن التدبر فيها «وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ» يعني: لا نترك عبادة الأوثان لقولك إنه باطل، وأمرك بتركه.
  ومتى قيل: ما الداعي إلى عبادة الأصنام مع أنها جماد؟
  قلنا: أمور:
  منها: الاعتقاد بأنها تقرب إلى اللَّه.
  ومنها: الاعتقاد بأن معبوده صورة، وأن هذه الأوثان على صورته.
  ومنها: اعتقاد أن في عبادتها نفعًا عاجلاً وآجلاً.
  ومنها: تقليد الرؤساء إلى غير ذلك.