قوله تعالى: {قالوا ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين 53 إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون 54 من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون 55 إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم 56 فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ 57}
  «وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ» أي: لا نصدقك بأنك رسول، وأن ما جئت به حق «إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ» يعني إنك لست تتعاطى ما تعاطيت من سب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بسوء، قيل: بجنون خبل عقلك، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وهذا مكابرة منهم؛ لأن كل عاقل يعلم أن الجماد لا يقدر على نفع وضر وجنون وخبل، ولكن لبَّسوا فقالوا: الذي حملك على هذا ما أصابك منها، فـ «قَالَ» هود # «إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ» على نفسي «وَاشْهَدُوا» أنتم أيضًا «أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ» يعني: الأوثان.
  ومتى قيل: لِمَ أشهدهم وليسوا بأهلٍ [للشهادة]؟
  قلنا: لتقوم الحجة عليهم، لا لتقوم بهم؛ لأن البراءة عنهم تبين عجزهم.
  «فَكِيدُونِي جَمِيعًا» أي: احتالوا جميعًا في مكري أنتم وأوثانكم «ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ» لا تمهلوني، وهذا جواب عن قولهم «اعْتَرَاكَ بَعْض آلِهَتِنَا بِسُوءٍ». «إِنّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ» أي: فوضت أمري إليه «رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ» حيوان يدب علي وجه الأرض «إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا» قيل: بجميعها يتصرف فيها كيف شاء، عن الفراء، وقيل: يحييها ويميتها، عن الضحاك، وقيل: يقهرها، عن [القتبي]، وإنما خص أخذ الناصية؛ لأن من عادة العرب استعمال ذلك إذا وصف إنسانًا بالذل والخضوع، فيقول: ناصيته بيدي، فخاطبها بما جرت به مخاطباتهم، عن أبي علي. «إِنَّ رَبّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» طريق مستقيم واضح، قيل: معناه: إن ربي يدل على طريق مستقيم يدعو إليه ويأمركم به، وقيل: صراط ربي مستقيم لا عوج فيه، عن الأصم، وقيل: إن ربي في تدبيره لخلقه على صراط مستقيم، لا فساد فيه ولا خلل، عن أبي علي. يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وقيل: على طريق كل أحد لا يفوته أحد، ويرجع الخلق إلى حكمه. «فَإِنْ تَوَلَّوْا» قيل: فإن أعرضوا فقل يا محمد، وقيل: أعرضوا عني، عن أبي مسلم. «فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرسلتُ بِهِ إِلَيكُمْ» يعني تَوَلِّيكُمْ لسوء اختياركم لا لتقصير في إبلاغي، فإني أبلغت جميع ما أوحي إليّ «وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيرَكُمْ» أي: يهلككم بكفركم ويستبدل قومًا غيركم يوحدونه ويعبدونه، وقيل: أي: أبلغت،