التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز 66 وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين 67 كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود 68}

صفحة 3527 - الجزء 5

  قيل: عذابنا، وقيل: أمرنا بالعذاب، عن أبي علي «نَجَّينَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» أي: خلصناهم من العذاب «بِرَحْمَةٍ مِنَّا» قيل: برحمتنا وهي البراءة، وقيل: بالإيمان الذي دعاهم إليه فأجابوا «وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ» أي: هوان ذلك اليوم، والذل الذي أصابهم «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ» يعني القادر على ما يشاء «الْعَزِيزُ» لا يمتنع عليه شيء، ولا يُمْنَعُ عما يريد من إهلاك وغيره «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» يعني كفروا «الصَّيْحَةُ» وسموا ظلمة لظلمهم على أنفسهم بالعصيان، «الصَّيْحَةُ» قيل: أَمَرَ اللَّهُ جبريل فصاح بهم صيحة ماتوا، ويجوز أن يكون خلق اللَّه تلك الصيحة التي ماتوا عندها، وقيل: الصيحة العذاب، عن أبي مسلم «فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ» قيل: بلادهم، وقيل: منازلهم «جَاثِمِينَ» قيل: ساقطين على الوجوه هالكين، عن أبي علي، وقيل: قاعدين على الركب، وقيل: ساكنين أي: لما ماتوا وهلكوا صاروا ساكنين، لا حراك بهم، عن أبي مسلم «كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا» قيل: كأن لم يقيموا فيها ولم يسكنوها؛ لانقطاع آثارهم بالهلاك إلا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي «أَلا إِنَّ ثَمُودَ كفَروا رَبَّهُمْ» جحدوه، وجحدوا البعث والنبوة «أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ» أي: أبعدهم اللَّه بعدًا.

  · الأحكام: تدل الآية على أن عادة اللَّه إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين، خلاف ما يقوله الْمُجْبِرَة أنه يجوز أن يعذب المؤمنين وينجي الكافرين.

  وتدل على أن العذاب يُسْتَحَقُّ على الأعمال، خلاف قولهم.

  وتدل على أن ثمودًا هلكت بصيحة تقطعت بها القلوب، وماتت النفوس.

  وتدل أنهم كما عذبوا بالنار، يصيرون إلى النار، لذلك قال: «ألا بُعْدًا لثمود».

  وتدل على أن الظلم والكفر فِعْلُهُمْ؛ لذلك استحقوا العذاب، فيبطل قولهم في المخلوق.