التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط 84 وياقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين 85 بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ 86}

صفحة 3549 - الجزء 5

  وعَثِيَ يَعْيَ عِثِيَّا، وعاث يعيث عَيْثًا بمعنى، وهو الفساد.

  والبقية: ترك شيء من شيء مضى، وأصله: البقاء، كأنه بقي بعضه، وذهب بعضه، بقي الشيء يبقى بقاء، والبقاء الاسم.

  · المعنى: ثم عطف تعالى قصة شعيبا على ما تقدم من القصص، فقال سبحانه: «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيبًا» أي: فأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبًا في النسب، قيل: ولد مدين بن إبراهيم، فنسبوا إليه، وقيل: هو اسم للمدينة أو القبيلة، عن الزجاج، وقيل: اسم للمدينة وأراد إلى أهلها، عن أبي مسلم، «قَالَ يَا قَوْم اعبُدُوا اللَّهَ» أي: وحدوه ولا تعبدوا معه غيره «مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ» تقديره: ما لكم إله غيره، فبدأ بالتوحيد؛ لأنه أهم، ولأن غيره كالفرع عليَه «وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ» أي: لا تنقصوا ما كِلْتُمْ ووزنتم على غيركم، وكانوا يطففون في ذلك، فنهوا عنه «إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيرٍ» قيل: برخص الأسعار، فحذرهم غلاءها، وزوال النعمة، وحلول النقمة، عن ابن عباس، والحسن، وقيل: المال، وزينة الدنيا، عن قتادة، وابن زيد، والضحاك، وقيل: الخصب والسعة، عن مجاهد «وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ» يعني: عذاب اليوم يحيط بكم، وقيل: اليوم يحيط بعذابه بدلا من إحاطته بنعمته، وأراد بالإحاطة أنه يهلكهم جميعًا، فلا ينجو منهم أحد «وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ» أي: ما تكيلون وما تَزِنون عليهم «بِالْقِسْطِ» بالعدل «وَلَا تَبْخَسُوا» لا تنقصوا «النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ» أي: أموالهم في معاملاتهم أي: لا تخونوا «وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرضِ مُفْسِدِينَ» أي: لا تعثوا: لا تسعوا بالفساد في الأرض، ولا تضطربوا بالفساد «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» قيل: طاعة اللَّه خير من جميع الدنيا؛ لأنها يبقى ثوابها أبدًا والدنيا تزول، عن الحسن، ومجاهد. وقيل: ما أبقى اللَّه خير لكم من الحلال، بعد إيفاء الكيل والوزن خير من البخس ومن التطفيف، عن أبي علي. وقيل: رزق اللَّه، عن سفيان، وقيل: بقية اللَّه من نعمه مع قلته خَيْرٌ من التماس الزيادة بالخيانة،