قوله تعالى: {قالوا ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد 87 قال ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب 88 وياقوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد 89 واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود 90}
  وبم يعتبروا أمر اللَّه جهلاً منهم «إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ» يعني الصالح في نفسه المرشد لغيره، قيل: قالوه استهزاء، عن الحسن، وابن جريج، وابن زيد، وقيل: أنت الحليم الرشيد عند قومك، فهذا الأمر لا يليق بك في مخالفة قومك، عن الأصم، وقيل: معناه أنت السفيه الغاوي، عن ابن عباس، قال [القتبي]: العرب تصف الشيء بضده قالوا للديغ: سليم، وللفلاة مفازة، وأنكر ذلك أبو علي؛ لأنه خلاف الظاهر «قَالَ» شعيب: «يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ» حجة «مِنْ رَبِّي» قيل: أرأيتم إن كذبتموني، وأنا على بينة من ربي، فما تصنعون؟ وما عذركم في ترك الإيمان؟ وقيل: إذا كنت على بينة من ربي ورزقه، فلماذا أعدل عن عبادته والدعاء إليه؟ «بَيِّنَةٍ» حجة من ربي؛ لأنه ينصب الأدلة «وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا» قيل: حلالاً طيبًا من غير بخس، وقيل: علمًا ومعرفة، وقيل: هو النبوة والشرع «وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ» قيل: معناه أني لا أنهى عن قبيح، ثم أفعله، نحو قول الشاعر:
  لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتَيِ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
  وقيل: ليس نهيي إياكم لمنفعة أجرها إلى نفسي بما تتركون من التطفيف «إِنْ أُرِيد إِلَّا الإصْلاحَ» أي: لا أريد إلا إصلاح أمور الناس في دينهم ودنياهم «مَا اسْتَطَعْتُ» أي: ما أمكنني من ذلك «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ» أي: ما أفعله ليس بحولي وقوتي بل بمعونة اللَّه وتيسيره ولطفه «عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ» أي: فوضت أمري إليه «وَإلَيهِ أنِيبُ» قيل: أرجع إليه في المعاد، وقيل: إليه أرجع بعملي ونيتي، عن الحسن، وقيل: أرجع إليه في جميع أموري «وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي» قيل: لا يحملنكم، عن الحسن، وقتادة، وقيل: لا يكسبنكم، عن الزجاج، وأصل الجرم القطع، كأنه قيل: لا يقطعنكم إليه بحملكم عليه «شِقَاقِي» خلاف وفراقي على الإصرار على الكفر «أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ» أي: لا تحملنكم مخالفتي على أمر تستحقون به أن يفعل بكم مثل ما فعل بهَؤُلَاءِ «مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ» من الهلاك بالغرق «أَوْ قَوْمَ هُودٍ» بالريح «أَوْ قَوْمَ