قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102}
  قلنا: قيل: مثل هذا لا يليق بكلام أهل العلم، وإنما هو حشو وهذيان، وقد قال تعالى في صفة الملائكة: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} ونحوها من الآيات التي ذكرناها، والذي ذكرناه هو قول الحسن، وكل موثوق بعلمه من أهل الدين، ومن أجاز مثل ذلك على الملائكة والرسل لا يمكنه معرفة النبوَّات، ولا يوثق برسول وقوله وفعله، وما روي في حديث النبي ÷ فغلط عظيم، وقد قال تعالى: {يَعْصِمُك مِنَ النَّاسِ} وهذا القول يشبه قول الكفرة حيث قالوا: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} ونعوذ بِاللَّهِ من الخذلان.
  «بِبَابِلَ» قيل: اسم بلد لا ينصرف، عن الكسائي، وقيل: بابل العراق، عن الحسن، وعائشة، وقيل: بابل دينَاوند، عن الضحاك والسدي، ولم سمي بابل، قال الخليل: لأن ألسنتهم تبلبل بها، يعني اختلفت. اللغات «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ» يعني الملكين «حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ» قيل: نحن امتحان واختبار نبين السحر ليُجْتَنَبَ ولا يُكْفَرُ بعمل السحر، فإنما بعثنا لنمنع الناس منه، ونبين بطلانه، عن أبي علي، وقيل: نحن عقوبة على من لا يقبل نصيحتنا فلا تكفر، وقيل: ما أنزل عليهما السحر وما علماه، فكانا لا يعلمان أحدًا شيئًا إلا وينصحان فيقولان: لا تكفر، ينهيان عن الكفر والسحر، عن أبي مسلم، وقيل: كانا علجين، وقولهما: لا تكفر كقول الخليع: أنا في ضلال فلا تفعل ما أنا فيه، وتقديره إنما نحن ضلال كفار، فلا تكفر أنت، عن الحسن. ولا تكفر فيه ثلاثة أقوال: قيل: بعمل السحر، وقيل: لا تكفر بتعلم السحر، وقيل: بواحد منهما «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا» من الملكين، عن أكثر المفسرين، وهو قول أبي علي، وقيل: من السحر والكفر، عن أبي مسلم، وتقديره: فيتعلمون مكان ما علمناه، وقيل: من الشياطين وهاروت وماروت، عن الأصم «مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ» أي يفرقون بما يتعلمون بينهما، قيل: بالنميمة والتضريب، فينغص كل واحد منهما إلى صاحبه، عن قتادة، وقيل: إذا عمل بالسحر كفر، فحرمت عليه زوجته، فكأنه يغريه بالكفر والسحر فيفرق بينه وبين زوجته، عن أبي مسلم «وَمَا هُمْ» يعني الَّذِينَ يفرقون بين المرء وزوجه «بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ