التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102}

صفحة 525 - الجزء 1

  اللَّه» يعني لا يلحقان ضررًا بغيره إلا بإذنه. و «مِنْ»: صلة، وتقديره وما يضران أحدًا، واختلفوا في معنى الإذن، قيل: بعلم اللَّه تعالى، عن أبي علي والأصم، من قوله: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} وقيل: الإذن، بسكون الذال وكسر الهمزة، والأذن بفتحهما بمعنًى، كشِبْهٍ وشَبَهٍ، ومِثْلٍ ومَثَلٍ، عن أبي مسلم، وقيل: بتخلية اللَّه، قال: من شاء اللَّه منعه من السحر، فلم يضره، ومن شاء خلى بينه وبينه فضره. وروى سفيان: (إلا بقضاء اللَّه) ويحمل على معنى العلم، وقيل: بإذن اللَّه لخلقه، وهو كالأمراض التي تحصل عند سقي السم والأطعمة وغيره، عن أبي علي، «وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ» لأنهم يصيرون به إلى العذاب الدائم «وَلَقَدْ عَلِمُوا» يعني اليهود الَّذِينَ نبذوا كتاب اللَّه وراء ظهورهم «لَمَنِ اشْتَرَاهُ» استبدل السحر بدين اللَّه، فالهاء في اشتراه كناية عن السحر، عن قتادة وابن زيد وجماعة. وقيل: كانوا يعطون الأجرة عليه، فذلك اشتراؤهم له، عن أبي علي «مَا لَهُ» يعتي ما لِمَنْ اشتراه «فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ» قيل: نصيب من الخير، عن مجاهد وسفيان والسدي. وقيل: ما له دِينٌ، عن الحسن. وقيل: من خلاص. «وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» يعني ما باعوا به حظ أنفسهم، حيث اختاروا الكفر على الإيمان، عن السدي وغيره «لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ».

  ويقال: لم قال «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» وقبله «وَلَقَدْ عَلِمُوا»؟

  قلنا: فيه قولان: الأول: هما فريقان فريق علموا وعاندوا، وفريق جهلوا، عن الأصم. الثاني: هم فريق واحد إلا أنهم ذموا في أحد الكلامين بنفي العلم؛ لأنه بمنزلة المنتفي، حيث لم يعملوا به، وأخبر عن حالهم في الكلام الثاني. وقيل: الَّذِينَ علموا الشياطين، والَّذِينَ لم يعلموا الناس، وأنكر بعضهم للإجماع أن المراد بقوله: «لَمَنِ اشْتَرَاهُ» اليهود دون الشياطين، وقيل: لو كانوا يعلمون كنه ما أعد اللَّه لهم من العذاب، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: الآية تدل على جواز إنزال الملك لبيان الشبه، وإن تعلق به من لا يريد الدين؛