التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز 91 قال ياقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط 92 وياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب 93 ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين 94 كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود 95}

صفحة 3558 - الجزء 5

  وقيل: انتظروا العذاب واللعنة، فأنا أنتظر الرحمة والنصرة، وقيل: انتظروا مواعيد الشيطان، فأنا أنتظر مواعيد الرحمن «وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا» بالعذاب، عن أبي علي «نَجَّينَا شُعَيبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا» قيل: برحمتنا أنجيناهم، وقيل: بإيمانهم الذي هو رحمة منه؛ لأنه أمر به، وهدى إليه، وأزاح العلة حتى آمنوا «وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ» قيل: ظلموا بكفرهم، وقيل: ببخس الناس أشياءهم، عن أبي مسلم، وقيل: الصيحة العذاب، وقيل: صوت خلقه اللَّه تعالى، فأهلكوا به «فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ» قيل: ساقطين على وجوههم، وقيل: خامدين موتى هلكى «كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا» أي: كأن لما يقيموا، ولم يسكنوا فيها، شبه حالهم في هلاكهم لانقطاع آثارهم كأن لم يكونوا بحالهم لو لم يكونوا فيها «أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ» قيل: هلاكهم، وقيل: أبعدهم اللَّه من رحمته ونجاته «كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ» وقيل: لعنوا كما لعنت ثمود، قيل: شبه حالهم بحال ثمود؛ لأنهم أهلكوا بالصيحة مع الرجفة.

  · الأحكام: يدل قوله: «ما نفقه» أن المعارف مكتسبة.

  وتدل على أن الواجب رعاية حق اللَّه تعالى، وأن ذلك مقدم على حقوق غيره، بخلاف ما فعلوا من رعاية حقوق الرهط، وتضييع حق اللَّه تعالى.

  وتدل على أن الأنبياء بعثوا بأكرم الأخلاق وأشرفها ورفقهم بالأمم، وذلك يدل على أن الواجب على الآمر بالمعروف أن يسلك طريقتهم.

  وتدل على أن هلاك قوم شعيب وهلاك ثمود كان بالصيحة، لكن الصيحة في ثمود كان من تحتهم، وفي قوم شعيب كانت من فوقهم.

  وعن أبي علي أن الصيحة يجوز أن تكون من فعل اللَّه تعالى، ويجوز أن تكون من فعل مَلَكٍ.

  وسئل ابن عباس عن عذاب يوم الظلة؟ فقال: إن اللَّه تعالى بعث عليهم حرًّا أخذ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرية يلتمسون الرَّوْحَ، فجاءت سحابة كهيئة ظلة فيها ريح، فاستكنوا بها من الشمس، فلما اجتمعوا تحتها جاءتهم الصيحة من فوقهم، فرجفت الأرض بالعذاب، وقيل: أسقطها اللَّه عليهم، وقيل: أمطرت السحابة عليهم نارًا.