التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق 106 خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد 107 وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ 108}

صفحة 3570 - الجزء 5

  وسابعها: أن الاستثناء وقع على الزيادة، يعني إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل الجنة، وزيادة العذاب لأهل النار، حكاه الزجاج.

  وثامنها: (إلا) بمعنى الواو، وذلك شائع في اللغة، قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: ولا الَّذِينَ ظلموا، يعني وقد شاء ربك خلود هَؤُلَاءِ في الجنة، وخلود هَؤُلَاءِ في النار، وكل هذه التأويلات على مذهب من يحمل الآيتين على الخلود.

  فأما من قال: المراد بأهل الجنة الخلود وبأهل النار غيره، فقد اختلفوا، فقيل: إلا ما شاء ربك أن يخرج أهل التوحيد منها. روي ذلك عن ابن عباس وقتادة، وقيل: معناه: أن ذلك جزاؤهم إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنهم، فلا يدخلهم النار، وفي وصف السعيد إلا ما شاء ربك أن يدخلهم الجنة، عن أبي مجلز.

  وقال ابن زيد: أخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار. وعن الضحاك: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا، فهذا لا يصح؛ لأن الآية في الفريقين على وجه واحد، فإذا أوجب الدوام في أحدهما، فكذلك في الأخرى، واختلفوا، فقيل: هذا الاستثناء منقطع، وأكثر ما يكون ذلك كقوله: {إِلَّا إبْلِيسَ} معناه: لكن ما شاء اللَّه من الزيادة.

  · الأحكام: يدل قوله: «شقوا» و «سعدوا» أن الشقاوة والسعادة فعله؛ لذلك أضافه إليه، فيبطل قول من يقول: إنه شقي قبل أن يولد.

  وتدل على أن كل شقي في النار وإن كان فاسقًا، بخلاف قول المرجئة.

  ويدل قوله: «عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» على دوام الجنة، خلاف قول جهم، والآيتان تدلان على الخلود، ولو كان في أحدهما زيادة تأكيد، وهو قوله: «عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ».