التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص 109 ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب 110 وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير 111}

صفحة 3575 - الجزء 5

  المسلم مع اليهود، فيتوجه الذم على المبطل، وقيل: اختلف علماؤهم في تأويله، عن الأصم. «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سبقَتْ مِنْ رَبِّكَ» يعني لولا أنه خبر اللَّه ووعده السابق بأنه يؤخر الجزاء إلى يوم القيامة لِمَا فيه من المصلحة لعجل الثواب والعقاب لأهله، وقيل: لولا أنه أوحي في الكتب أنه سيرسل إليهم رسولاً يبين لهم ما يتقون لقضي بينهم، عن الأصم. وقيل: لولا كلمة سبقت من ربك في إبقائهم للمصلحة في التأخير لقضي بإرسال العذاب، عن أبي علي، وقيل: لولا كلمة سبقت من ربك في الآجال والأرزاق، عن الأصم «لَقُضِيَ» أي: انفصل الأمر على التمام «بَينَهُمْ» بين المؤمنين والكافرين بنجاة المؤمنين، وهلاك الكافرين، وقيل: لقضي بينهم أي: لفرغ من عذاب الكافرين وهلاكهم «وَإنَّهُمْ» يعني قوم موسى «لَفِي شَكٍّ مِنْهُ» أي: من كتابهم، وقيل: من نبوة موسى، وقيل: في شك من الوعيد «مُرِيبٍ» والريب الشك مع تهمة «وَإِنَّ كُلًّا» قيل: من الجاحدين والمخالفين، وقيل: الَّذِينَ قصصنا عليك نبأهم، وقيل: من المختلفين المذكورين في قوله: «فاختلفوا»، عن أبي علي. «لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ» أي: يعطيهم ربك جزاء أعمالهم وافيًا تامًا على الصغير والكبير والخير والشر «إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» عليم بأعمالكم، يجازيكم عليها؛ إذ لا يجوز الجزاء ممن ليس بعالم بالذنب، ومقدار الاستحقاق.

  · الأحكام: تدل الآية على قبح الشك في الدين.

  وتدل على أن الشك فعل العبد، وكذلك عبادة غير اللَّه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.

  وتدل على أن القوم سلكوا طريقة التقليد، وأن التقليد في الدين باطل، وليس بطريق للعلم.

  وتدل على أن المعارف مكتسبة؛ لذلك صح قوله: «وإنهم لفي شك».

  وتدل على أنه تعالى يوفر جزاء أعمالهم، وأن الثواب والعقاب يُسْتَحَقَّان على الأعمال، خلاف ما يقوله أهل الجبر.

  وتدل على أنه تعالى يؤخر العقاب لما يعلم من المصلحة.