قوله تعالى: {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص 109 ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب 110 وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير 111}
  وقيل: هو تسلية للنبي ÷ أي: لا يحزنك تكذيبهم إياك فإنا نفعل بهم ما فعلنا بالأمم من قبلهم من توفية الجزاء.
  وقيل: بَيَّنَ مِنْ قَبْلُ اختلاف الأمم على أنبيائهم تكذيبًا لهم، ثم بيَّن في هذه الآية أن خلاف هَؤُلَاءِ كخلاف أولئك خِلافُ كُفْرٍ، لا خلاف اجتهاد، عن أبي مسلم.
  ويُقال: كيف اتصل قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}؟
  قلنا: اتصال التنبيه بالحال الذي بُيّنَ، تقديره: كَذَّبَ هَؤُلَاءِ بالكتاب الذي آتيناك كتكذيب أولئك بالكتاب الذي آتينا موسى.
  · المعنى: «فَلا تَكُ» قيل: الخطاب للنبي، ÷، والمراد هو ومن آمن به، عن أبي علي، وهم جماعة المكلفين، كأنه قيل: فلا تك أيها الإنسان أو أيها السامع «فِي مِرْيَةٍ» في شك «مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ» أي: إنما يعبد هَؤُلَاءِ كفر وضلال، وهو عبادة الوثن، وقيل: لا تكن في شك أنها ليست بآلهة، عن أبي علي «مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ» أي: على طريق التقليد؛ لأن القليل يعتقد لشبهة، والأكثر يعتقدون تقليدًا «مِنْ قَبْلُ» أي: من قبل أن أوحي إليك «وَإنَّا لَمُوَفُّوهُمْ» لمتممون لهم «نَصِيبَهُمْ» حظهم «غَيرَ مَنْقُوصٍ» أي: من غير نقصان، بل يصل إليهم ما استحقوه، وقيل: نصيبهم من العقاب من غير نقص على جهة العقوبة، بعدما حكمنا بذلك، وقيل: من خير أو شر، عن ابن عباس، وقيل: من العذاب، عن ابن زيد، وقيل: إن عذاب الاستئصال يقتضي نقصان عذاب الآخرة، فأخبر أنه متى لم يعاقبهم في الدنيا وَفَّرَ عذابهم في الآخرة من غير نقصان، وليس بالوجه، وقيل: نصيبهم من الرزق، وقيل: نصيبهم من العمر وإن عبدوا غيرنا «وَلَقَدْ آتَينَا» أعطينا «مُوسَى الْكِتَابَ» يعني التوراة «فَاخْتُلِفَ فِيهِ» يعني اختلف فيه قوم موسى، فَمِنْ مُصَدِّقٍ، ومن مكذب، عن أبي علي، كما فعل قومك بالقرآن بعدهم، تنبيها وتسلية للرسول ÷، وقيل: ذكر الخلاف، ولم يبين كيفية الخلاف، والخلاف يكون على وجهين، فقد يكون كلاهما باطلا، كاختلاف اليهود والنصارى في المسيح، فتوجه الذم عليهما، وخلاف بين مبطل ومحق، كاختلاف